الحمد لله.
رؤية الأنبياء والصالحين بعد موتهم، وتواصل أرواحهم مع الأحياء، ومحادثتهم بالهمس، من بدع الصوفية وضلالاتهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (27/391-393) : "وَالضُّلَّالُ مَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَرَوْنَ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ: إمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَقَظَةً وَيُخَاطِبُهُمْ وَيُخَاطِبُونَهُ. وَقَدْ يَسْتَفْتُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ عَنْ أَحَادِيثَ فَيُجِيبُهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّ الْحُجْرَةَ قَدْ انْشَقَّتْ ، وَخَرَجَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَانَقَهُ هُوَ وَصَاحِبَاهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلَامِ ، حَتَّى وَصَلَ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ ، وَإِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ.
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ أَعْرِفُ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ عَدَدًا كَثِيرًا.
وَقَدْ حَدَّثَنِي بِمَا وَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الصَّادِقِينَ ، مَنْ يَطُولُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِذِكْرِهِمْ.
وَهَذَا مَوْجُودٌ عِنْدَ خَلْقٍ كَثِيرٍ ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ .
لَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُكَذِّبُ بِهَذَا ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ إذَا صَدَّقَ بِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَأَنَّ الَّذِي رَأَى ذَلِكَ رَآهُ لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ.
وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَأَنَّهُ بِحَسَبِ قِلَّةِ عِلْمِ الرَّجُلِ يُضِلُّهُ الشَّيْطَانُ.
وَمَنْ كَانَ أَقَلَّ عِلْمًا ، قَالَ لَهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ خِلَافًا ظَاهِرًا.
وَمَنْ عِنْدِهِ عِلْمٌ مِنْهَا : لَا يَقُولُ لَهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ ، وَلَا مُفِيدًا فَائِدَةً فِي دِينِهِ؛ بَلْ يُضِلُّهُ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يَعْرِفُهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا فِعْلُ الشَّيَاطِينِ ، وَهُوَ ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَفَادَ شَيْئًا ؛ فَاَلَّذِي خَسِرَهُ مِنْ دِينِهِ أَكْثَرُ.
وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: إنَّ الْخَضِرَ أَتَاهُ ، وَلَا مُوسَى وَلَا عِيسَى ، وَلَا أَنَّهُ سَمِعَ رَدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ.
وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ، وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ إنَّهُ يَسْمَعُ الرَّدَّ. وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ ؛
وَإِنَّمَا حَدَثَ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَأْتِيهِ فَيَسْأَلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ عَنْ بَعْضِ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ ، وَأَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعِلْمِ ؛ لَا خُلَفَاؤُهُ الْأَرْبَعَةُ ، وَلَا غَيْرُهُمْ.
مَعَ أَنَّهُمْ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ حَتَّى ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: اذْهَبِي إلَى قَبْرِهِ فَسَلِيهِ : هَلْ يُورَثُ أَمْ لَا يُورَثُ" انتهى .
فهذه المرئيات من وساوس الشيطان، ومن تلاعب الجن بالإنس ، وإضلالهم لمن يطيعهم من بني آدم .
قال شيخ الإسلام في "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (1/174) : "ومنهم من يرى أشخاصا في اليقظة ، يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين .
وقد جرى هذا لغير واحد ، وهؤلاء منهم من يرى ذلك عند قبر الذي يزوره، فيرى القبر قد انشق وخرج إليه صورة، فيعتقدها الميت، وإنما هو جني تصور بتلك الصورة .
ومنهم من يرى فارسا قد خرج من قبره ، أو دخل في قبره، ويكون ذلك شيطانا .
وكل من قال: أنه رأى نبيا بعين رأسه فما رأى إلا خيالا" انتهى .
وقد أنكر العلماء على من ادعى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ، فكيف بغيره من الأنبياء والصالحين.
قال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (6/23):
"اختلف في معنى الحديث، فقال قوم من القاصرين: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رآه على حقيقته، كمن يراه في اليقظة سواء .
وهو قول يُدْرَك فساده ببادئ العقل ؛ إذ يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه اثنان في وقت واحد في مكانين ، وأن يحيا الآن، ويخرج من قبره ، ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويخلو قبره عنه ، فيزار مجرد القبر، ويسلم على غائب، لأنه يُرى ليلا ونهارًا ، على اتصال الأوقات !!
وهذه جهالات ، لا يلتزمها من له أدنى مسكة من عقل ؛ وملتزم ذلك مختل مخبول" انتهى .
وقال ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص 534):
"من ظن أن جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المودعَ في المدينة خرج من القبر، وحضر في المكان الذي رآه فيه : فهذا جهل ؛ لا جهلَ يُشبهه.
فقد يراه في وقتٍ واحدٍ ألفُ شخص، في ألف مكان، على صور مختلفة، فكيف يتصور هذا في شخص واحد" انتهى .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (70364).
وينظر أيضا حول ضلالات مخاطبي الأرواح ، والمتواصلين معهم : كتاب "الروحية الحديثة" ، لفضيلة الدكتور محمد محمد حسين ، رحمه الله .
والنصيحة في ذلك : البعد عن البدع وأهلها ، والتمسك بما كان عليه سلف الأمة ، ومطالعة كتب العقيدة الصحيحة فمن ذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وسماع شروح الشيخ ابن باز وابن عثيمين وأمثالهم.
والله أعلم
تعليق