الحمد لله.
أولًا :
من مات وعليه زكاة لم يخرجها : فالواجب على الورثة إحصاء تلك الزكاة وإخراجها من التركة قبل الوصية والميراث ، لأن الديون التي على الميت – سواء كانت حقوقا لله أم للعباد – تقدم على حق الورثة وعلى الوصية ، قال الله تعالى في تقسيم الميراث : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11 .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل توفي ولم يكن يخرج زكاة ماله عدة سنوات .
فأجابوا :
"يجب إخراج الزكاة من مال هذا الميت عن جميع السنوات التي مرت عليه ولم يزك ، بأن يخرج ربع العشر (2.5) في المائة ، مع اعتبار حسم زكاة كل سنة من المبلغ ، وتزكية الباقي في السنة التي بعدها" انتهى .
فتاوى اللجنة (1/493) المجموعة الثالثة .
ثانيا :
إذا أوصى الرجل بوقف شيء من ماله بعد موته وحدد مصارفه ، فيجب تنفيذ وصيته إذا مات ، ما دامت لم تزد عن ثلث التركة . وينظر لبيان ذلك السؤال رقم (264216) .
ثالثا :
إذا مات الإنسان وكان قد أوصى بشيء من ماله في أوجه الخير وكان عليه ديون (زكاة أو غيرها) فإن الديون تقدم على الوصية فيبدأ بسدادها من التركة ، ثم تكون الوصية فيما بقي .
قال البهوتي رحمه الله في "الروض المربع" (3/184) :
"والزكاة إذا مات من وجبت عليه : كالدين في التركة" انتهى.
قال ابن قاسم في حاشيته : " فيخرجها وارث وغيره، لأنها حق واجب، فلا تسقط بالموت، كدين الآدمي، وهو لا يسقط بالموت" انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"الحقوق المتعلقة بالتركة :
يتعلق بالتركة خمسة حقوق مرتبة بحسب أهميتها كالآتي:
1 - مؤن تجهيز الميت: من ثمن ماء تغسيله، وكفنه، وحنوطه، وأجرة الغاسل، وحافر القبر، ونحو ذلك؛ لأن هذه الأمور من حوائج الميت، فهي بمنزلة الطعام والشراب واللباس والسكن للمفلس.
2 - ثم الحقوق المتعلقة بعين التركة: كالدَّين الذي فيه رهن، وإنما قدمت على ما بعدها لقوة تعلقها بالتركة ، حيث كانت متعلقة بعينها.
وعند الأئمة الثلاثة - مالك وأبي حنيفة والشافعي -: تقدم هذه الحقوق على مؤن التجهيز؛ لأن تعلقها بعين المال سابق .
وعلى هذا فيقوم بمؤن التجهيز من تلزمه نفقة الميت إن كان، وإلا ففي بيت المال .
وهذا القول كما ترى له حظ من النظر، والله أعلم.
3 - ثم الديون المرسلة التي لا تتعلق بعين التركة، كالديون التي في ذمة الميت بلا رهن، سواء كانت لله ، كالزكاة والكفارة، أم للآدمي ، كالقرض والأجرة وثمن المبيع ونحوها...
4 - ثم الوصية بالثلث فأقل لغير وارث.
5- ثم الإرث " انتهى من تسهيل الفرائض (ص 11-16) باختصار .
ومقتضى تقديم الزكاة على الوصية : أنه لا يؤخذ من الوصية لدفع الزكاة ، كما لا يؤخذ من الزكاة للوصية ، بل يُبدأ بإخراج الزكاة من التركة ، ثم تخرج الوصية بعد ذلك فيما حدده الموصي من مصارف .
وعلى هذا ، فالوصية التي أوصى بها الوالد لا يجوز حسابها من الزكاة ، لأن الظاهر من الوصية بالوقف أن الوالد قصد التبرع بها ، ولم يقصد أنها تكون عوضا عن الديون التي عليه .
فالواجب إخراج الزكاة عن السنين التي لم تخرج عنها ، من مجموع ما ترك الوالد من المال .
ثم ينظر بعد ذلك : فإن كانت الوصية لا تزيد عن الثلث : فإنها تنفذ .
وإن كانت أكثر من الثلث : فإنها تنفذ في حدود ثلث التركة فقط ، وما زاد على الثلث فلا تنفذ فيه إلا برضا الورثة .
والله أعلم .
تعليق