الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم ترديد عبارة معينة حتى الاقتناع بها ؟

276884

تاريخ النشر : 16-09-2017

المشاهدات : 39859

السؤال

ما حكم ترديد عبارة معينة إلى أن يقتنع بها العقل؟ مثلا أنا لا أحب المذاكرة فكنت أقوم بترديد عبارة أنا أحب المذاكرة فما حكم ذلك؟

الجواب

الحمد لله.

لا شك أن الألفاظ لها أثر كبير في صياغة أفكار ومشاعر وسلوك الإنسان ، سواء كانت إيجابية أم سلبية ؛ ولذا اعتنت الشريعة عناية فائقة بضبط الألفاظ ، وذلك بدرء الألفاظ السلبية وإلغائها ، وجلب الألفاظ الإيجابية وتكثيرها .

قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) البقرة/83

وقال تعالى : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) النساء/5 

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب/70-71

وعَنْ أَنَس بن مالك رضي الله عنه ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ" قَالَ قِيلَ: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) .

رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) .

وفي رواية عندهما : ( الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ ) .

وعلى كل حال ؛ فتكرار المباني الإيجابية : له أثر معرفي في فهمها ، وأثر شعوري في حبها ، وأثر سلوكي في العمل بها ؛ ولكن لا ينبغي أن تعتمد كليا على مجرد تكرار اللفظ فحسب ، بل ينبغي أن تتأملي جيدا في منشأ أفكارك السلبية تجاه المذاكرة ، والمشاعر السلبية المترتبة عليها ، وتسعي جاهدة في تغيير الأنماط السلوكية المترتبة على هذه الأفكار والمشاعر .

فمثلا لو أن أحدهم تفكر في نفسه سلبا فقال : ( أنا فاشل ) ، سيترتب على ذلك مشاعر سلبية تتمثل في الإحباط والضيق ، مما يؤدي بالمرء لسلوك سلبي يتمثل في الإعراض عن المذاكرة لقناعته الداخلية بأنه فاشل !

فالواجب والحالة هذه أن يجتهد في تغيير هذه الفكرة السلبية ، مع إعادة تنظيم مشاعره وسلوكه المترتب على هذه الفكرة .

فقد ثبت علميا أن تغيير السلوك : له أثر كبير في تغيير الأفكار والمشاعر ، حتى وإن لم نتدخل بشكل مباشر في تغييرهما !

 والحاصل أن الشرع حث على تجنب التعابير السلبية ، واستعمال التعابير الإيجابية

ومن هذا الباب ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ

رواه البخاري 5409 ومسلم (2064) .

فإن عيب الطعام ، هو "تعبير سلبي" ، وأيضا : "موقف سلبي" منه ...

وإظهار هذا الشعور السلبي ، ونشر التعبير السلبي : من شأنه أن يؤثر في نفوس الآخرين ، فتتكرهه ، من غير أن يكون هناك سبب للنفرة منه : إلا التأثر بما سمعته من التقييم والشعور السلبي ...

قال ابن بطال (9/478) : " وقد يكره بعض الناس من الطعام مالايكرهه غيره .." انتهى.

وعليه فمجرد تجنب التعابير السلبية المتعلقة بالمذاكرة أمر حسن ، والزيادة على ذلك بالتعابير الإيجابية أحسن وأفضل ، والأكمل في تحقيق المراد ، والعمل الإيجابي : أن يسعى في الأخذ بأسباب الخير، ويعمل به ، ويجتنب أسباب الشر، والنقص ، والكسل ، وكل باطل ، لا خير فيه.

 هذا مع التنبه لأهمية التوكل على الله تعالى في هذا الباب ، والثقة برحمته وقدرته سبحانه ، والتبرؤ من حولك وقوتك ، وعدم الركون لقوة النفس ، أو ما عرف في زماننا بقوة العقل الباطن ، ذلك بأن من صور المبالغات في تعظيم القدرات البشرية ما تشير إليها فلسفات الطاقة الكونية إلى إمكانية تحكم الإنسان التام في حاضره ومستقبله ، وهذا ما صاغه هؤلاء في صورة ما يسمى عندهم بقانون الجذب law of attraction   ، وهو قانون يزعم أنصاره أن الإنسان قادر على اجتذاب كل ما يريده من الحياة ، إن أراده وركز تماما في إرادته ، وذلك من خلال ذبذبات الطاقة المنبعثة من هذا الإنسان للشيء الذي يريده !

وهذا غلو في النزعة القدرية ، والغفلة عن إرادة الله جل جلاله ، ومشيئته العامة ، وتقديره لأمر عباده ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، سبحانه ، وجل شانه .

قال تعالى : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/28-29

وقال تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) الإنسان 29-30

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (276254).

 والله الموفق

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب