الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

تفسير قول الله تعالى : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين )

277073

تاريخ النشر : 28-10-2017

المشاهدات : 35801

السؤال

هل الملائكة مشمولين بهذه الآية (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  لا تدخل الملائكة في عموم الآية، لأن معناها: أن الله تعالى خلق من جميع الكائنات زوجين ، أي : صنفين متقابلين . كالذكر والأنثى ، والليل والنهار ، والحر والبرد ..إلخ . وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى الذي يخلق ما يشاء ، فيخلق الشيء ويخلق ما يخالفه في الصفات .

الجواب

الحمد لله.

فقد اختلف أهل التفسير في تأويل هذه الآية على قولين:

أرجحهما: أن الزوجين هنا ، بمعنى : الصنفين ، والنوعين المختلفين، كالسعادة والشقاء، والهدى والضلال، والملائكة والجن، والجن والإنس .

وعليه؛ فلا إشكال في دخول الملائكة في معنى الآية .

الثاني: أن المراد بالزوجين (الذكر والأنثى)، وعلى ذلك يقال في الجواب :

إن عموم كل بحسبه، ويعرف ذلك بالقرائن، فلو تأملت قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) الأحقاف/25، لوجدت أن الآية الكريمة نصت على هلاك كل شيء، ومع ذلك (أصبحوا لا يرى إلا مساكنهم)! فعلمنا أن مساكنهم مستثناة من عموم (كل) هنا، ولا يحتاج هذا إلى تنبيه بعد ذلك : أن السموات والأرض استثنيتا من هذا الدمار الذي حصل لهؤلاء القوم .

فإذا تأملت ما سبق، علمت أن عموم كل بحسبه، وأن الملائكة الكرام غير مشمولين بهذا العموم الموجود في الآية ؛ وإنما الإشارة هنا إلى هذه الأشياء المخلوقة في "عالم الشهادة" ، ليحصل ارتفاق الناس ، وانتفاعهم به ، وتظهر الحكمة من هذه النعم ، فيتذكر الناس ما أمروا به من طاعة رب العالمين .

قال العلامة ابن عاشور رحمه الله : " لما أشعر قوله: ( فرشناها فنعم الماهدون ) ، [الذاريات: 48] بأن في ذلك نعمة على الموجودات التي على الأرض، أتبع ذلك بصفة خلق تلك الموجودات ، لما فيه من دلالة على تفرد الله تعالى بالخلق المستلزم لتفرده بالإلهية .
فقال: ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) . والزوج: الذكر والأنثى. والمراد بالشيء: النوع من جنس الحيوان. وتثنية زوج هنا لأنه أريد به ما يزوج من ذكر وأنثى.

وهذا الاستدلال عليهم بخلق يشاهدون كيفياته وأطواره ، كلما لفتوا أبصارهم، وقدحوا أفكارهم، وهو خلق الذكر والأنثى ليكون منهما إنشاء خلق جديد يخلف ما سلفه ، وذلك أقرب تمثيل لإنشاء الخلق بعد الفناء، وهو البعث الذي أنكروه؛ لأن الأشياء تقرب بما هو واضح من أحوال أمثالها.

ولذلك أتبعه بقوله: ( لعلكم تذكرون ) ، أي تتفكرون في الفروق بين الممكنات والمستحيلات، وتتفكرون في مراتب الإمكان، فلا يختلط عليكم الاستبعاد ، وقلة الاعتياد ، بالاستحالة ؛ فتتوهموا الغريب محالا.

فالتذكر مستعمل في إعادة التفكر في الأشياء ، ومراجعة أنفسهم فيما أحالوه ، ليعلموا بعد إعادة النظر : أن ما أحالوه ممكن ، ولكنهم لم يألفوه ؛ فاشتبه عليهم الغريب بالمحال ، فأحالوه .

فلما كان تجديد التفكر المغفول عنه ، شبيها بتذكر الشيء المنسي : أطلق عليه : ( لعلكم تذكرون ) ، وهذا في معنى قوله تعالى: ( وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون * ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) [الواقعة: 60- 62] ؛ فقد ذيل هنالك بالحث على التذكر، كما ذيل هنا برجاء التذكر، فأفاد : أن خلق الذكر والأنثى من نطفة ، هو النشأة الأولى ، وأنها الدالة على النشأة الآخرة.

وجملة : ( لعلكم تذكرون ) : تعليل لجملة : ( خلقنا زوجين ) ؛ أي : رجاء أن يكون في الزوجين تذكر لكم، أي : دلالة مغفول عنها." انتهى، من "التحرير والتنوير" (27/18) .

هذا؛ مع أن الراجح الأول، كما سننقل نصوص أهل العلم عليه .

يقول الطبري: " القول في تأويل قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [الذاريات: 49] يقول تعالى ذكره: وخلقنا من كل شيء خلقنا زوجين، وترك خلقنا الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها .

واختلف في معنى (خلقنا زوجين) [الذاريات: 49] فقال بعضهم: عنى به: ومن كل شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة، ونحو ذلك ... قال مجاهد، في قوله: (ومن كل شيء خلقنا زوجين) [الذاريات: 49] قال: الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجن .

... وقال آخرون: عنى بالزوجين: الذكر والأنثى.

.. وأولى القولين في ذلك قول مجاهد، وهو أن الله تبارك وتعالى، خلق ، لكل ما خلق من خلقه: ثانيا له ، مخالفا في معناه، فكل واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين. "، تفسير الطبري: (21/ 547 - 549).

وقال ابن عطية: " (ومن كل شيء خلقنا زوجين) أي: مصطحبين ومتلازمين .

فقال مجاهد: معناه أن هذه إشارة إلى المتضادات والمتقابلات من الأشياء ، كالليل والنهار ، والشقوة والسعادة ، والهدى والضلالة ، والأرض والسماء ، والسواد والبياض ، والصحة والمرض ، والكفر والإيمان ونحو هذا"، المحرر: (5/ 181).

وقال ابن كثير: " (ومن كل شيء خلقنا زوجين) أي: جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات جن وإنس، ذكور وإناث والنباتات، ولهذا قال: (لعلكم تذكرون) أي: لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له" تفسير ابن كثير: (7/ 424).

وللمزيد انظر الإجابة التالية: (223457).


والخلاصة
لا تدخل الملائكة في عموم الآية، لأن معناها: أن الله تعالى خلق من جميع الكائنات زوجين ، أي : صنفين متقابلين . كالذكر والأنثى ، والليل والنهار ، والحر والبرد ..إلخ . وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى الذي يخلق ما يشاء ، فيخلق الشيء ويخلق ما يخالفه في الصفات .

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب