الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

حرمان الاب بناته من التعليم لمعصية ارتكبنها ؟

277248

تاريخ النشر : 27-02-2018

المشاهدات : 3324

السؤال

اتفق الأب مع بناته علي ارتداء الخمار عوضاً عن النقاب نزولاً علي رغبة بناته ، وعند سفر الأب الي بلد عربي وفي حضور الأم المنتقبه بدأت البنات في لبس حجاب عادي مع بعض التبرج ، عاد الأب ليكتشف ذلك ، فقرر منعهم من التعليم ، وتطليق الزوجة ، علماً بأن أكبر بناته في السنة النهائية طب ، والأخري ٣ طب. فهل يجوز له ذلك ؟ وما هي الحجة التي نناقشه بها ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) .

رواه البخاري (7138) ، ومسلم (1829) .

فالرجل مسئول عن زوجته وبناته ، قوام عليهن في أمور معاشهن الدنيوية والدينية .

قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ( 2/292 ) :

"يَقُولُ تَعَالَى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) أَيِ: الرَّجُلُ قَيّم عَلَى الْمَرْأَةِ، أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا ، وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا ، وَمُؤَدِّبُهَا إِذَا اعوجَّت " انتهى .

وقال البغوي في تفسيره ( 2/207 ) :

"قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) أي: مسلطون على تأديبهن، والقوام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب" انتهى .

وقال القرطبي في تفسيره ( 5/169 ) :

"دلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم ، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها.

و(قوام) فعال للمبالغة، من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد.

فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية" انتهى .

والحاصل :

أن مهمة الرجل ، وأمانته في رعاية أسرته ، والقيام عليها : ليست مهمة عقابية ، بل هي مهمة تأديب ، ورعاية ، وعناية ، وحلم، وتصبر، وحسن تأتٍّ للأمر ، وحكمة في معالجة المشكلات .

ولا شك أن مما يغيظ الرجل في أهل بيته : أن يجد منه تفلتها عن أدب الشرع ، وتهاونا في التزام الطاعات والواجبات الشرعية ، سواء كان الحجاب ، أو الصلاة ، أو غير ذلك مما جاء به الشرع .

ومع أن من حق الوالد ، بل من واجبه ، أن يؤدب بناته بأدب الشرع ، وأن يلزمهن بالزي الشرعي ، والحجاب الكامل المطلوب منهن .

وإذا تم التوافق على ألا يلزم بناته بالنقاب ، فلا نرى بذلك بأسا ، إن شاء الله ، فإن وجوب ستر الوجه – لبس النقاب – من المسائل الخلافية المعتبرة بين أهل العلم .

لكن : ليس لهن أن يتهاون في لبس الحجاب الشرعي الكامل بعد ذلك ، وأن يلبسن ما يعتاده كثير من نساء بلدهن من الخروج بالحجاب عن أصل موضوعه ، في تمام الستر للمرأة ، إلى أشكال ، وربما موضات ، هي إلى عكس مقصود الشرع ، أقرب منها إلى تحقيق العبودية ، والستر الواجب .

لكننا ، رغم ذلك كله : نرى أن الوالد الكريم ، قد أخطأ خطأ بينا في معالجة هذه المشكلة التي حصلت في غيابه .

أخطأ ، لأن غيابه هو أساس هذه المشكلة التي حصلت ، أو هو جزأ لا يتجزأ منها . فليست الأم ، مهما كان سلطانها وحزمها في البيت ، بالتي تقدر على معالجة ذلك بمفردها ، ولا سطوة الأم وشخصيتها في المنزل تسد فراغ الأب ، وتعالج النقص بغيابه ، خاصة في مثل السن المذكورة لبناتها .

وسواء كان غياب الوالد ، وسفره ، مبررا ، أو لم يكن له مبرر قوي ، كما يحصل في كثير من الأسر ؛ فهذا لا يعفيه هو من المسؤولية ، ولا يلقي التبعة كاملة على الزوجة .

ثم البنات ، وفي هذه السن : ليس من المقبول ، بتاتا ، معالجة مثل هذه المشكلة معهن ، بمثل هذا الحرمان الشديد ، لا سيما في الكلية المذكورة ، وفي سنوات متقدمة ، أو نهائية ، كما ذكر . لسنا نوافق على هذه المعالجة ، مطلقا .

وحينئذ ؛

فالذي ننصح به الوالد الكريم : أن يصبر نفسه ، ويتأن ، ويتعامل مع المشكلة بحلم ، ورفق ، وأناة . فما جعل الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، كما قال الصادق المصدوق ، صلى الله عليه وسلم .

وإذا كان قد وقع الطلاق فعلا ، فليبادر لمعالجة هذا الغلط ، برد زوجته ، وإصلاح ما بينهما .

ثم يتحمل هو مسؤوليته نحو بناته ، في إعادة ترميم العلاقة التي تضررت من جراء هذه المعالجة الخاطئة للمشكلة . 

والذي نراه أن يجلس معهن في حوار هادئ ، قدر طاقته ، ليبين لهن واجب الحجاب عليهن ، وصفة الحجاب الشرعي المقبول منهن ، ويستعين على ذلك برسائل علمية ميسرة ، وبعض المحاضرات النافعة .

ويبين لهن أن اهتمامه بذلك ، ليس تعنتا ، ولا تشددا معهن ، إنما هو طاعة لرب العالمين ، وأداء لأمانته التي وضعها الله في عنقه معهن .

ولا نرى أن تدخل فكرة الحرمان من الجامعة ، فضلا عن طلاق زوجته !! كحل لهذه المشكلة ؛ فالذي يظهر أنها ، في حد ذاتها ، مشكلة أخرى ، وليست حلا .

نسأل الله أن يجمع شمل الأسرة على خير ما يحب ربنا ويرضى ، وأن يصلح ذات البين ، ويصلح لهذا الوالد الكريم زوجه ، وذريته .  

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب