الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

أؤتمن على توزيع التركة فهل له أن يسدد ديون المتوفى دون علم زوجته التي لا تعترف ببعض الديون؟

279953

تاريخ النشر : 10-01-2018

المشاهدات : 6125

السؤال

توفى أخى منذ5 سنوات ، وعليه بعض الديون ، ولكن ورثته زوجته وأولاده الثلاثة ينكرون بعضها ، رغم إننى وإخوتي 2 ذكور و5 إناث متأكدون من هذه الديون ؛ لأن بعضها لنا نحن إخوته الثلاثة الذكور ، وإن كنا ترفعنا عن المطالبة بها حتى الآن ؛ لأن البعض سامح حياء وبرا ، والآخر لم يسامح ، المهم إن أخي المتوفى له ميراث من الوالد عبارة عن أراض زراعية ، وأنا أتولى بيعها ، وأعطى الجميع حقه حسب الشرع ، ومنهم نصيب أخي المتوفى أسلمه لزوجته كاملا كل مرة يتم فيها بيع جزء من الأرض ، ولكن حدث مؤخرا أن الإخوة والأخوات طلبوا ضرورة سداد الدين ؛ لأنهم يرون أحلاما سيئة بأن أخينا المتوفى قلق ويشعر بالضيق الشديد ، فاقترحوا جميعا أن أقوم بسداد الديون على دفعات من نصيبه من الدفعات اللاحقة دون علم زوجته ، وذلك لتأكدنا من تلك الديون والتى تعترف الزوجة ببعضها وتنكر الآخر ، ولكنها لم تبد أى نية للسداد ، ولو على سبيل جس النبض أو جبر الخواطر رغم تلميح البعض لها بذلك ، وحصولها منا على مبالغ كبيرة لأكثر من 15 دفعة ، ولم تبد في مرة واحدة منها نية السداد أو حتى فتح الموضوع مما لأثر فى نفوسنا لقاء هذا الجحود تجاه لأخونا المتوفى . فهل هذا جائز مع العلم أنها تترك أمر حساب الميراث لي دون تخوين حتى الآن ، وقد يرجع السبب لما تعلمه من تعففنا عن المطالبة بالديون ، وحبنا واحترامنا لأخينا ؟

الجواب

الحمد لله.

إذا مات الإنسان وكان عليه دين، فالواجب سداد دينه من تركته قبل قسمتها؛ لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11.

وتقدم الديون على الوصايا، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/ 201) " الدين مقدم على الوصية، وبعده الوصية ثم الميراث، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء " انتهى.

وسواء كانت هذه الديون لإخوة المتوفى، أو لأجنبي، فالواجب سدادها، إلا عند العفو عنها.

وعليه : فمن عفى عن دينه سقط حقه، ومن لم يعفُ فله المطالبة ، وإثبات دينه ؛ إما بشهادة شاهدين، أو بوثيقة مكتوبة بخط المتوفى، إذا عرف خطه، أو أشهد على الوثيقة.

وينظر: في طرق ثبوت الدين: الموسوعة الفقهية (21/ 120).

ولا يجوز لك أن تسدد هذه الديون المدّعاة دون علم زوجة المتوفى وأولاده؛ لأنك مؤتمن على تقسيم التركة، ولم توكّل بسداد الديون، والوكيل يتقيد تصرفه بالإذن .

ولأن الديون لابد من ثبوتها، وقد ينازع الورثة في ذلك.

فعلى صاحب الدين أن يطالب به، ويثبته، ويلزم حينئذ إعطاؤه دينه.

وينبغي أن يجتمع الورثة مع أصحاب الديون، وأن يُنظر في كل دين، فإن ثبت، أعطي لصاحبه، وإن لم يثبت فلا شيء لمدعيه.

وينبغي أن تعلم زوجة المتوفى وجميع ورثته أنه ينبغي المسارعة إلى إبراء ذمة المتوفى بسداد الديون من التركة قبل قسمتها، وأنهم يأثمون بتأخير سداد الديون، ما دام الميت قد ترك وفاء، وأنه لا يحل لهم شيء من التركة قبل سداد دين المتوفى منها.

وقد قال أهل العلم ـ رحمهم الله ـ إن العمل بوصية المتوفى وسداد ديونه يكون قبل دفنه؛ وذلك لعظم شأن الدين، فإن تعذر ردُّ الديون في الحال؛ لعدم وجود النقد ، أو لبعد المال: استحب لورثته أن يضمنوا عن أبيهم حق الغير، أو يقدموا رهنا به، فإن تأخروا أو امتنعوا عن قضاء ديونه: أثموا بجحد الحق، أو مطله، ما دام الميت قد ترك وفاءه من ماله .

قال البهوتي رحمه الله : " ( ويجب أن يسارع في قضاء دينه ، وما فيه إبراء ذمته ؛ من إخراج كفارة ، وحج نذر ، وغير ذلك ) ، كزكاة ، ورد أمانة ، وغصب ، وعارية ؛ لما روى الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه ، عن أبي هريرة مرفوعاً : ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) .. ( كل ذلك ) أي قضاء الدين وإبراء ذمته ، وتفريق وصيته ( قبل الصلاة عليه ) ، لأنه لا ولاية لأحد على ذلك إلا بعد الموت والتجهيز.

وفي الرعاية : قبل غسله ، والمستوعب : قبل دفنه ؛ ويؤيد ما ذكره المصنف : ما كان في صدر الإسلام من عدم صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين ، ويقول : ( صلوا على صاحبكم ) إلى آخره ، كما يأتي في الخصائص .

( فإن تعذر إيفاء دينه في الحال ) ، لغيبة المال ونحوها : ( استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه ) لربه ، بأن يضمنه عنه ، أو يدفع به رهناً ، لما فيه من الأخذ في أسباب براءة ذمته .

وإلا ؛ فلا تبرأ قبل وفائه " انتهى .

وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " ومن هنا يأثم الورثة بتأخير سداد الديون، فإذا مات الوالد أو القريب ، وقد ترك مالاً ، أو ترك بيتاً، وعليه دين: فيجب على الورثة أن يبيعوا البيت لسداد دينه .

وهم : يستأجرون، أو يقومون بما يكون حظاً لهم من الاستئجار أو الانتقال إلى مكان آخر .

أما أن يبقى الدين معلقاً بذمته ، وقد ترك المال والوفاء: فهذا من ظلم الأموات، وإذا كان بالوالدين فالأمر أشد .

وقد ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن نفس المؤمن معلقة بدينه ) .

قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا كان عليه دين ، فإنه يمنع عن النعيم حتى يؤدى دينه، ولذلك قال: ( نفس المؤمن مرهونة بدينه ) وفي رواية: ( معلقة بدينه ) بمعنى: أنها معلقة عن النعيم حتى يقضى دينه .

ويؤكد هذا حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصحيح، فإنه لما جيء برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام: ( هل ترك ديناً؟ ) قالوا : دينارين.

فقال: ( هل ترك وفاء ؟) قالوا : لا .قال : ( صلوا على صاحبكم).

فقال أبو قتادة : هما علي يا رسول الله! فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو قتادة : فلم يزل يلقاني ويقول : ( هل أديت عنه ؟ ) ، فأقول: لا بعد. حتى لقيني يوماً ، فقال : ( هل أديت عنه ؟) قلت : نعم .قال: ( الآن بردت جلدته ) .

فهذا يدل على عظم أمر الدين، فينبغي المبادرة بقضاء الديون وسدادها، خاصة ديون الوالدين فالأمر في حقهم آكد" انتهى من "شرح الزاد".

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب