الحمد لله.
أولا :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره لأصحابه سؤال الناس والتعرّض لهم والطلب منهم ، وبايع بعض أصحابه على أن لا يسأل أحدٌ منهم أحدا شيئا .
عن عوف بن مالك الأشجعي قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة ، فقال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، وكنا حديثي عهد ببيعة ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال: ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، قال : فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك ؟ قال : ( على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا ) .
وأسر كلمة خفية : ( ولا تسألوا الناس شيئاً ) !!
فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه " رواه مسلم (1043).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم في كتاب النهي عن المسألة (7/ 132):
"وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا، وإن كان حقيرا" انتهى .
وفي حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ يَتَقَبَّلُ – وفي رواية يتكفل - لِي بِوَاحِدَةٍ ، وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟
" قَالَ : قُلْتُ : أَنَا.
قَالَ : ( لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا ) !!
فَكَانَ ثَوْبَانُ : يَقَعُ سَوْطُهُ ، وَهُوَ رَاكِبٌ ؛ فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ ، حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ .
رواه أبو داود (1450) وغيره ، وصححه الألباني .
ثانيا :
سؤال الناس مذموم ، وهو مع الإلحاح : أشد ذمًا؛ لما فيه من إهانة الشخص نفسَه ، ولما فيه من أذية الشخص المسئول ، وإيقاعه في الحرج ، وكأن السائل يرغمه على أن يعطيه مسألته .
والطلبات والمسائل ليست على درجة واحدة ، فمنها ما يُعاب سؤاله ، والإلحاح فيه ، ويعد قادحا في المروءة ، ومنها ما دون ذلك ، ومنها ما يفضي إلى الإحراج ، واستخراج الشيء بغير رغبة المعطي ، حتى يعطيه إياه حياء ؛ فيأخذه الطالب سحتا .
وترك سؤال الناس مطلقا ، أمر لا يطيقه عامة الناس ، لذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه ، ولم يأمرهم به .
وينظر جواب السؤال (182011) .
وكلما أمكن التعفف عن سؤال الناس فهو أفضل ، فإن احتاج إلى السؤال فليسأل سؤالا رفيقا ، من غير أذية للمسئول ، ولا إحراج له .
ولم يرد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدد السؤال بالثلاث ، وقد كان بعضهم يسأله ، ويلح عليه في المسألة ، فيعطيه ، ويخبره أن الاستعفاف خيرٌ له .
وكان يحرّج على الذين يسألون من غير حاجة ، ويقول ( مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ) رواه مسلم (1041) .
فهذا هو المهم وهذا هو الضابط .
أما الاستئذان ثلاثا فقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَلْيَرْجِعْ) رواه البخاري (6245) و مسلم (5751) .
ولا يظهر لنا جامع محرر ، يصحح قياس المنع على ثلاث في مسألة الناس أموالهم ، والاستئذان عليهم ؛ ويكفي أن يقال في الفرق : إن المسألة من أصلها منهي عنها ؛ إما للتنزيه ، أو للتحريم لمن كان في غنى . ولا تشبه الاستئذان والدخول على الناس في شيء من ذلك .
ولم نقف على أصل ، أو أثر ، في تحديد السؤال بثلاث ، أو أكثر ، أو أقل ، وقد ذكرنا ضابط المسألة فيما سبق .
والله أعلم .
تعليق