الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

إذا تاب من الدلالة على الإثم ، فهل يتوب الله عليه مع أن أثر سيئته مستمر ؟

280384

تاريخ النشر : 25-02-2018

المشاهدات : 25939

السؤال

سألني شخص في الطريق عن محل بيع التبغ فأرشدته ، فهل يعتبر ما فعلته سيئة جارية ودلالة على الشر ؟ وهل يزداد الإثم علي كلما ذهب ذلك الشخص لهذا المحل واشترى منه السجائر ؟ مع العلم أني لا أعرف نيته من الذهاب لذلك المحل ، ولكن غلب على ظني أنه يريد شراء السجائر ، وإن كان ذلك سيئة جارية فكيف أمحو عني إثمها ؟

ملخص الجواب

 من دل على منكر أو معصية ؛ فإن عليه من إثم هذا المنكر وهذه المعصية ، ما استمر عليه العاصي الذي أخذ بدلالته . لكن من تاب توبة صادقة ، فإن الله يقبل التوبة ، ويمحو عنه آثار ما تاب منه .

الجواب

الحمد لله.

إذا غلب على ظنك أن هذا السائل يسأل عن المحل ليشتري منه السجائر ، فكان الواجب عليك أن تمتنع عن دلالته ، لأن في دلالته على المحل إعانة له على المنكر ، وتيسيره له ، وقد قال الله تعالى : (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم (2674).

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (16/227):

" من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه ، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك .

قوله صلى الله عليه وسلم (فعمل بها بعده) معناه : إن سنها ، سواء كان العمل في حياته أو بعد موته والله أعلم " انتهى.

وينظر جواب السؤال : (128686) .

ومحو هذا الإثم عنك يكون بالتوبة ، التي تعني الندم على هذه المعصية ، والعزم على عدم العودة إليها مرة أخرى ، فلا تدل أحدا على مكان معصية .

فبهذا يمحو الله ذنبك .

حتى لو استمر هذا الرجل في شراء التبغ من هذا المحل ، فلا إثم عليك في ذلك .

قال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 .

وقال تعالى : (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/39 .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .

قال الشيخ محمد الأمين في "أضواء البيان" (5/ 526) : "وأما الإشكال الذي في الإقلاع عن الذنب، فحاصله أن من تاب من الذنب الذي هو متلبس به ، مع بقاء فساد ذلك الذنب، أي: أثره السيئ هل تكون توبته صحيحة، نظرا إلى أنه فعل في توبته كل ما يستطيعه، وإن كان الإقلاع عن الذنب لم يتحقق للعجز عن إزالة فساده في ذلك الوقت ؟ أو لا تكون توبته صحيحة ; لأن الإقلاع عن الذنب الذي هو ركن التوبة لم يتحقق ؟

ثم قال رحمه الله: "فجمهور أهل الأصول على أن توبته في كل الأمثلة صحيحة ; لأن التوبة واجبة عليه، وقد فعل من هذا الواجب كل ما يقدر عليه، وما لا قدرة له عليه معذور فيه ; لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)" انتهى.

وقال الملا القاري في "مرقاة المفاتيح" (1/ 242): "قال ابن حجر: تنبيه: لو تاب الداعي للإثم ، وبقي العمل به : فهل ينقطع إثم دلالته بتوبته لأن التوبة تجب ما قبلها ؟ أو لا ، لأن شرطها رد الظلامة والإقلاع ، وما دام العمل بدلالته موجودا ، فالفعل منسوب إليه ، فكأنه لم يرد ولم يقلع؟ ثم قال القاري :

والأظهر الأول ، وإلا فيلزم أن نقول بعدم صحة توبته، وهذا لم يقل به أحد .

ثم : رد المظالم مقيد بالممكن، وإقلاع كل شيء بحسبه ، حتما .

وأيضا : استمرار ثواب الاتباع ، مبني على استدامة رضا المتبوع به ؛ فإذا تاب وندم : انقطع، كما أن الداعي إلى الهدى ، إن وقع في الردى - نعوذ بالله منه - انقطع ثواب المتابعة له .  وأيضا : كان كثير من الكفار دعاة إلى الضلالة، وقبل منهم الإسلام ، لِمَا أنّ الإسلام يجب ما قبله، فالتوبة كذلك ، بل أقوى، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له" انتهى.

وخلاصة الجواب :

أن من دل على منكر أو معصية ؛ فإن عليه من إثم هذا المنكر وهذه المعصية ، ما استمر عليه العاصي الذي أخذ بدلالته .

لكن من تاب توبة صادقة ، فإن الله يقبل التوبة ، ويمحو عنه آثار ما تاب منه .

والله أعلم .


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب