الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

قبول توبة من تكررت منه الردة

282169

تاريخ النشر : 12-02-2018

المشاهدات : 36287

السؤال

ذكرت الآية 90 من سورة آل عمران أن توبة المرتد لن تقبل ، ولكن ذكر المفسرون أن عدم قبول التوبة يكون إن مات على كفره ، ولكن هذه الآيات جاءت في مجموعة من الأشخاص ارتدوا أكثر من مرة ، فقد جاء في " تفسير ابن كثير" ما يلي: " قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا ابن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ، ثم أسلموا ثم ارتدوا ، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : ( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم ) هكذا رواه ، وإسناده جيد" ، ولكن لم يذكر ما إن كانت توبتهم قد قبلت أم لا ، فكما أعلم فالمفسرون يفسرون القرآن باجتهاداتهم الشخصية ، وإلا فما هو سبب اختلافهم ؟ وعندي سؤال آخر : بخصوص إجماع العلماء على قبول توبة المرتد من كل المعاصي وإن ارتد 50 مرة إن أخلص التوبة ، فهل هناك أثر أو حديث في رجل ارتد أكثر من 3 مرات وقبلت توبته؟ وسؤالي الآخير هو هل لو كان في قلب الرجل نفاق ، وسأل الله أن يشفيه منه فهل سيزيله الله تعالى من قلبه؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

من ارتد ثم تاب، قبل الله تعالى توبته، فقد فتح الله باب التوبة لكل من تاب .

وأما من تكررت منه الردة، فإنه إن أخلص في توبته بينه وبين الله، فإن الله يقبل توبته، ويقيل عثرته .

وأما في أحكام الظاهر، فإن الفقهاء اختلفوا، هل تقبل توبة من تكررت منه الردة في الظاهر أم لا ؟ على قولين .

والصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته : مقبولة في أحكام الظاهر أيضا ، وتجري عليه أحكام الإسلام .

وهذا هو قول جماهير أهل العلم : الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية ، وآخر قولي أحمد بن حنبل .

وينظر جواب السؤال رقم : (91408)، (83117) .

ثانيا :

وأما الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ )آل عمران/ 90، ومثلها قوله تعالى في سورة النساء: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ) النساء/ 137 .

فإن عدم قبول التوبة قد ذكر العلماء مواطنه، وهي:

1- عند الموت، فإن التوبة لا تقبل عند الموت .

2- عند استمراره على الكفر، فإن الله لا يقبل التوبة بعد الموت، فالمراد بالازدياد هنا : الاستمرار ، وعدم الإقلاع .

3- وقال الطبري في آية: النساء: " وأما قوله: لم يكن الله ليغفر لهم [النساء: 137] : فإنه يعني: لم يكن الله ليستر عليهم كفرهم وذنوبهم ، بعفوه عن العقوبة لهم عليه , ولكنه يفضحهم على رءوس الأشهاد ".

انظر في هذه الأوجه: " تفسير الطبري" (5/ 563)، " تفسير ابن كثير" (2/ 71)، " التحرير والتنوير" (3/ 304 - 305).

قال ابن كثير: " يقول تعالى ، متوعدا ومتهددا لمن كفر بعد إيمانه ، ثم ازداد كفرا، أي: استمر عليه إلى الممات، ومخبرا بأنه لا يقبل لهم توبة عند مماتهم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 71).

وقال: " يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه ، ثم رجع، واستمر على ضلاله ، وازداد حتى مات = فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا، ولا طريقا إلى الهدى؛ ولهذا قال: لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 434).

ويقول القاسمي: " وقد أشكل على كثير قوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ، مع أن التوبة عند الجمهور مقبولة كما في الآية قبلها، وقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [الشورى: 25] . وغير ذلك.

فأجابوا: بأن المراد عند حضور الموت. قال الواحديّ في (الوجيز): لن تقبل توبتهم لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت، وتلك التوبة لا تقبل - انتهى -، أي كما قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [النساء: 18] ، الآية.

وقيل : عدم قبول توبتهم : كناية عن عدم توبتهم، أي: لا يتوبون" انتهى من "تفسير القاسمي" (2/ 348).

وقال في آية النساء: " في الآية وجوه:

الأول: أن المراد الذين تكرر منهم الارتداد، وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه : يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ، ويستوجبون اللطف، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله. لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم : قلوب قد ضريت بالكفر ، ومرنت على الردّة. وكان الإيمان أهون شيء عندهم ، وأدونه ، حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى.

وليس المعنى : أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة، ونصحت توبتهم : لم يقبل منهم ، ولم يغفر لهم ؛ لأن ذلك مقبول ، حيث هو بذل للطاقة واستفراغ الوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وإنه أمر لا يكاد يكون.

وهكذا نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع، ثم يتوب ثم يرجع، فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات. والغالب أنه يموت على الفسق. فكذا هنا "انتهى من "تفسير القاسمي" (3/ 370).

ثالثا :

وأما الأثر المروي عن ابن عباس ، فقال الحافظ ابن كثير رحمه الله : 

"قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيع، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، فَأَرْسَلُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَسْأَلُونَ لَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ . هَكَذَا رَوَاهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/72) .

فقد ضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، كما في "العجاب" (2/ 709) ، قال : "والبزار كان يحدث من حفظه فَيَهِمُ، والمحفوظ ما رواه ابن جرير ومن وافقه " .

وتبعه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 258): "هذا خطأ من البزار" .

وانظر: ا"لاستيعاب في بيان الأسباب": (1/ 270) ، وحاشية محقق "العجاب في بيان الأسباب" .

والمراد بالمحفوظ ، ما وراه ابن جرير عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي من توبة؟ قال: فنزلت:"كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم" إلى قوله:"وجاءَهم البيناتُ والله لا يهدي القوم الظالمين إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"، فأرسل إليه قومه فأسلم.

"تفسير ابن جرير" (6/572) ، وينظر : "العجاب" الموضع السابق .

وحمله الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله على اليهود الذين كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واستمروا على كفرهم ذلك ؛ ثم ازدادوا كفرا على كفرهم الأول . قال : 

" وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من قال: عنى بها اليهود، وأن يكون تأويله : إن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرا ، بما أصابوا من الذنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم .

لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديق ما جاء به من عند الله..." ، ثم أطال في تقرير ما اختاره رحمه الله . ينظر : "تفسير الطبري: (5/ 567).


والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب