الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

كيف يكون في القرآن شيء خيرا من شيء ؟

283386

تاريخ النشر : 24-12-2017

المشاهدات : 9884

السؤال

لماذا قال الله : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) ، كيف تكون خير منها والسابقة أيضا من الله ؟

الجواب

الحمد لله.

جواب هذه المسألة يتبين بأمور:

أولًا: بإدراك حقيقة النسخ، وقد تكلمنا عليه في أجوبة متعددة، فلترجع إليها، أيها السائل الكريم، هنا: (228722)، (105746)، (174796)، (184148)، (198170).

ثانيًا: أن القرآن منه فاضل ومفضول .

وتحرير القول في هذه المسألة، أن كلام الله عز وجل لا يتفاضل من حيث نسبته إلى الله تعالى، لكنه يتفاضل باعتبارات أخرى، وقد جاءت النصوص بإثبات التفاضل بين السور والآيات .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنما غلط من قال بالأول [ يعني : نفي التفاضل في كلام الله ] ؛ لأنه نظر إلى إحدى جهتي الكلام، وهي جهة المتكلِّم به، وأعرض عن الجهة الأخرى، وهي جهة المتكلَّم فيه، وكلاهما : للكلام به تعلق ، يحصل به التفاضل والتماثل"، مجموع الفتاوى: (17/ 210).

 يقول د. أحمد فارس السلوم: " في القرآن آيات تدل على تفضيل بعض القرآن على بعض ، مع أنَّه كله حَسن وفاضل :

الآية الأولى: قوله تعالى: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) [البقرة: 106].

فقد دلَّت الآية الكريمة على أنَّ الله سبحانه وتعالى إذا نسخ آية أتى بخير منها أو بمثلها، ومن أنواع المنسوخ ما رُفع حُكْمه وبقيتْ تِلاوتُه، ومنه ما بقيَ حُكمه ورفعتْ تلاوته، فدلَّ هذا على أنَّ في آي القرآن ما هو متماثل في الخيرية، ومنه ما هو أكثر خيرية وفضلا، وهذا التأويل هو الظاهر من النص، وهو أحد القولين لأهل العلم في تفسير الآية.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ في الآية محذوفًا، والتقدير: ما ننسخ من حكم آية أو نُنْسِ حُكْمَها، نأت بحكم مثله ، أو خيرٍ منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن جرير رحمه الله، كي يدفع القول بتفاضل بعض القرآن على بعض، وتابعه على هذا جماعة من المصنفين في التفسير....

والقول الذي اختاره ، من إضمار (الحكم) : مروي عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة الهاشمي عنه، قال ابن عباس: ( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) [البقرة: 106] يقول خير لكم في المنفعة وأرفق بكم .

وهو مروى أيضًا عن قتادة.

ورُوي عن أبي العالية والسدي وعبيد بن عمير : ما يدل أن الضمير عائد على نفس الآية، قال السدي: نأت بخير من التي نسخناها. انتهى من تفسير ابن جرير ..

قال مقيده: يَرِدُ على ابن جرير ومن تأوَّل الآية ، على نحو ما تأوله : واردٌ قوي، وهو أنَّه ليس كل المنسوخ من جنس المنسوخ حكمه، بل فيه مثل قوله: (بلِّغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فَرَضِيَ عنَّا وأرضانَا) ، ونحو (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديًا ثالثًا ولا يملأ جوفه إلا التراب)، ونحو ذلك مما نسخه الله ، وليس فيه حكم، بل هو إخبار ووعظ .

وقد بيَّن ابن جرير في أول كلامه على هذه الآية أن هذه الأبواب مما لا يدخلها النسخ، لأنه قصر الآية على الأحكام التي يكون فيها النسخ، وأما الأخبار فلا مدخل للنسخ فيها.

ومنه أيضًا منسوخ التلاوة ثابت الحكم كآية الرجم، والرغبة عن الآباء، وجاهدوا كما جاهدتم أول مرة، وهذا الجنس لا يتلاءم مع تأويل ابن جرير، وهو بلا ريب من المنسوخ الذي أخبر الله تعالى أنه يأت بمثله أو خير منه.

فلا تتلاءم هذه الأجناس من المنسوخ إلا على القول بأنَّ الخيرية والمثلية راجعة على الآية، دون الحاجة إلى إضمار الحكم، وهو دليل على إثبات التفاضل بالقرآن.

...

 جوانب التفضيل:

قد اختلف عبارة القائلين بالتفضيل في المعنى الذي يرجع إليه هذا التفضيل، وهذا الاختلاف من باب اختلاف التنوع لا التضاد، ولعلي أحصر لكَ هذه المعاني في الأوجه التالية:

الأول: أن يراد به عظم الأجر ومضاعفة الثواب، إمّا من حيث انفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها ، عند ورود أوصاف العُلى، فيخشع عند ذلك، وإمَّا من حيث إنَّ الله عز وجل جعل قراءة سورةٍ ما ، كقراءة أضعافها مما سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها.

الثاني: ما يُتعجل لقارئ بقراءتها من الفوائد، سوى الثواب الآجل، كقراءة آية الكرسي والإخلاص والمُعَوِّذَتين، فإنَّ قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى، لما وضعه الله فيها من الخصائص، أما آيات الأحكام مثلًا، فلا يقع بنفس التلاوة إقامة حكم، بل يقع بها العلم بالأحكام.

الثالث: أن يكون راجعًا إلى ذات اللفظ، وما يتضمنه من معانٍ كما مرَّ آنفًا من كلام العز ابن عبدالسلام والغزالي، فآية الكرسي وآخر الحشر و( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) [الإخلاص: 1] فيها من الدلالات على وحدانية الله عز وجل وعلى صفاته ، ما ليس في غيرها، كـ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) [المسد: 1] ؛ لذلك كانت هذه الآيات ملخصة لعموم الرسالة المحمدية، ومتضمنة للمطالب الربانية، فكانت بهذا المعنى أعظم وأفضل من قوله ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ) [النساء: 56] ؛ أي أنَّ مخبرات تلك أسنى وأجل قدرًا.

الرابع: أنْ يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى، وأعود على الناس بفائدة، كما يقال: إنَّ آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد، خير من آيات القصص، لأنها إنما أُريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير، وهذا لا غنى للناس عنه، ولكن ربما استغنوا عن القصص، فكان ما هو أعود عليهم بنفع، وأجدى لهم ، مما يجري مَجْرى الأصول = خيرًا لهم مما يُجعل تبعًا لما لا بد منه، ويكون هذا التفضيل : من باب أنَّ الأصل خير من الفرع والتابع.

انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (17/ 208)، والإتقان للسيوطي (4/ 116 - 120).

وهكذا آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد تتفاضل فيما بينها.

قال العلامة الشنقيطي شارحًا ذلك: اعلم أولًا أنَّه لا شك في أنَّ الواجب أحسن من المندوب، وأنَّ المندوب أحسن من مطلق الحسن، فإذا سمعوا مثلًا قوله تعالى: ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [الحج: 77] ، قدَّموا فعل الخير الواجب على فعل الخير المندوب، وقدموا هذا الأخير على مطلق الحَسن الذي هو الجائز .

ولذا كان الجزاء بخصوص الأحسن ، الذي هو الواجب والمندوب ، لا على مطلق الحسن، كما قال تعالى: ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل: 97] ، وقال تعالى: (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الزمر: 35].

ومن أمثلة الترغيب في الأخذ بالأحسن وأفضليته ، مع جواز الأخذ بالحسن ، قوله تعالى: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) [النحل: 126] ، فـالأمر في قوله: ( فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) [النحل: 126] : للجواز، والله لا يأمر إلا بحَسَنٍ ؛ فدل ذلك على أنَّ الانتقام حسن، ولكن الله بين أنَّ العفو والصبر : خير منه وأحسن في قوله: ( وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) [النحل: 126].

ثم طفق الشيخ ذكرًا لأمثلة أخرى ، فانظرها إن شئت في أضواء البيان. (7/ 48، 49).

ينظر: http://www.alukah.net/sharia/0/100364/

والله أعلم .
  

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب