السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

أسلمت سراً وتقوم الجامعة بتعيين رجل مسلم لمساعدتها وتريد المشورة

284944

تاريخ النشر : 05-12-2017

المشاهدات : 1330

السؤال

أنا فتاة أسلمت سرا ، وقد انتقلت مع عائلتي إلى مدينة جديدة ، وقيل لي : أن استعمل خدمة في الجامعة التي أدرس فيها ، هذه الخدمة عبارة عن رجل دين مسلم ملحق بالجامعة ، فالجامعات هنا عادة توفر رجالا أو نساء من أديان مختلفة للطلاب ، بحيث يتمكن الطالب أن يحصل على الدعم من شخص من نفس دينه ، المهم أن هذا الرجل يعمل أيضا في منظمة في مدينتي دعيت لحضور فعالياتها، ولكني حين بحثت عنها ، وجددتهم متأثرين بالصوفية ، ولكني احترت فيهم بصراحة ، مثلا هم يقولون لمن يسألهم أن السجود لغير الله سبحانه وتعالى ـ مثلما يفعل بعض الصوفية ـ كفر وذنب كبير، ويستدلون بفتاوى ابن تيمية ، و يدرسون الفقه الحنفي، وهذه الأشياء طيبة والحمدلله ، ولكنهم في نفس الوقت يعتبرون ابن عربي عالما كبيرا ، ويقرأون للرومي ، والغزالي ، فأنا احترت في أمرهم، ولا أعلم هل أذهب لفعالياتهم ، وأقابل هذا الرجل في الجامعة ، لأني كما تعلمون أحتاج للمساعدة ، وإن لم اطلبها من هذا الشخص سيكون صعب جدا أن أجد غيره ؛ لأني الآن أحاول أن أجد شخصا يتزوج بي إن شاء الله تعالى ، لذلك أحتاج أن أبني معارف هنا، وليس لي غيرهم . فهل يجوز حضور فعالياتهم ، وفيها دفع مال لهم لبناء مدرسة إسلامية يغلب على ظني أنها ستعلم على نهج ما يعتقدون ، والحديث مع هذا الرجل في الجامعة، وهم في هذا الوضع الغير واضح ؟

الجواب

الحمد لله.

ما ذكرت من الحاجة إلى التواصل مع الشخص المذكور في الجامعة ، ينظر إليه باعتبارين :

الاعتبار الأول : أنه رجل ، أجنبي عنك ؛ فيقال في ذلك : إن اعتياد التواصل مع رجل "أجنبي" عنك ، واعتياد الخلطة به : فيه فتح لباب الفتنة ، وذريعة لتعلق الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل .. وشواهد هذا الأمر ، أوضح من أن تحتاج إلى تدليل ..

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الرجل مسلما ، أو كافرا ..

بل ربما يكون وصفه "مسلما" داعية خطر أشد ، في مثل أحوال الغربة ؛ فمع إسلام الرجل ، وإسلامك : يضعف التحفظ من الرجل ، وتقل الحواجز بينكما .... وهكذا ..

وحينئذ ، نقول : إن الأصل هو ألا تتواصلي تواصلا مباشرا ، مع مثل هذا الشخص ، إلا إذا كانت لديك حاجة حقيقية ، لمثل هذا التواصل ، لا يمكنك تعويضها بغيره .

قد تكون الحاجة دينية ، لمعرفة أمر في دينك ، أو وضعيتك في بلاد الغرب ، لا يمكنك تعويضه بالبحث الشخصي ، أو سؤال مركز إسلامي ، أو مراسلة موقع إسلامي ، كما تفعلين معنا ...

فمتى شعرت بحاجة إلى أمر ديني ، لا يمكنك تعويضها بغير التواصل : جاز لك أن تتواصلي مع هذا الرجل "الأجنبي" ..

ومثل ذلك : لو كانت لك حاجة دنيوية ، تتعلق بأمر عيشك في هذه المدينة ، أو بيعك ، أو شرائك ، أو نحو ذلك : جاز لك أن تتواصلي معه ، لأجل قضاء هذه الحاجة ...

ولا شك أن ما ذكرت من الاعتبارات الاجتماعية ، من حاجتك إلى "الوسط الإسلامي" ، ونحو ذلك : هي حاجات معتبرة ...

لكن ، ينبغي أن تنتقلي من التواصل مع هذا الرجل ، إلى التواصل مع المؤسسة نفسها ، المؤسسة الإسلامية التي يتبعها ..

وإذا كان لها فرع نسائي : فليكن تواصلك عن طريقه ...

وإذا لم يكن لها فرع نسائي : فليكن تواصلك مع المؤسسة ، ككيان اعتباري ، فهو أنفع لك ، وأسلم ، وأبعد عن الفتنة ، من مجرد التواصل مع رجل معين ، "بشخصه" ..

وحيث احتجت إلى التواصل ، مع هذا الرجل ، أو غيره : فلا يحل لك أن تتواصلي معه ، في خلوة ، أنت وهو ، سواء في مكتب الجامعة ، أو في سيارة ، أو في أي مكان آخر ؛ ولو كان لأجل أن يعلمك الصلاة ؛ فإن هذه الخلوة ، لا سيما مع من يغلب أمن جانبه ، وتضعف الحيطة معه : هي من أعظم الذرائع للفتنة والفساد ...

فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ .

رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي (2165) وغيره ، وصححه الألباني .

فليكن اللقاء بينكما في مكان عام ، على مرأى ومسمع من الناس ، أو تصطحبين معك إحدى صديقاتك المسلمات ، تثقين فيها ، لا سيما إذا كانت تعرف ظروفك الاجتماعية ، وحاجتك إلى مثل هذا التواصل .

والاعتبار الثاني : ما ذكرت من حال المؤسسة التي ينتمي إليها هذا الشخص المسلم ، وميولها الصوفية ، فنقول :

إن ما ذكرت من تحريهم للسنة والصواب في الأحكام الشرعية ، وحرصهم على فتاوى شيخ الإسلام : يدل على حرصهم على الخير ، وأن أمره في الجملة مقارب ، وإن وقع لهم بعض الأخطاء ، أو حسنوا الظن ببعض أهل التصوف ، أو بعض أهل البدع : فلعله لم يتبين لهم حالهم ، ولم يعلموا ما وقعوا فيه من البدع ؛ مع اعتبار أن أبعد المذكورين عن أن يحسن به الظن : هو جلال الدين الرومي – الفارسي - ؛ وإن كان قد يكون لهم عذر في التأثر باهتمام الغرب ، مؤخرا بالرومي وتراثه ، فلعلهم تأثروا بكثرة ما يذكر عنه ، أو زيادة الحفاوة به في الغرب .

وعلى كل حال ، فنحن ننبه إلى أمرين مهمين ، يتعلقان بهذه المسألة :

أما الأمر الأول : فهو أن الشخص المعين ، أو المجموعة ؛ متى كانوا يطلبون السنة في الجملة ، وأمرهم في تقرير مسائل العلم والدين ، ودلائل ذلك : موافقا لطريقة أهل العلم والدين ، وكان حريصًا على السنة ، وطالبًا للحق ، ومتابعًا لأهل العلم والإيمان ، ملازما لطرائق السلف ، غير شاذ عن مناهجهم ، ولا مسائلهم : فهذا هو المراد ، وهو الأساس في تزكية الشخص والجماعة ، وإن وقع لهم من الأخطاء ما وقع ، في أفراد المسائل ، أو الدلائل .

وإن حصل معهم خلاف في تقدير شخص ، أو عدم تقديره ، وعذره ، أو عدم عذره ، وقبول التأويل له ، أو عدم ذلك ؛ فإن ذلك كله من مسائل الاجتهاد السائغ ، التي ما زال أهل العلم يختلفون فيها ، ويعذر بعضهم بعضها ؛ لا سيما إذا كان الشخص الذي وقع فيه الكلام والخلاف : ممن لم يتبين للناس حقيقة أمره ، فحسنوا الظن به ، لظنهم أن ما يقوله ويفعله : هو من الدين الحق الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلمه لأمته .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ومن هؤلاء [ يعني : الذين يقعون في البدعة ، أو يحسنون الظن ببعض أهل البدع ، والضلال ] : من لا يكون قصده الزندقة والنفاق ؛ لكن لا يكون عارفا بحال الرسول ، وقدر ما جاء به ، ولكنه يعظمه تعظيما مجملا ، ويرى هؤلاء قد تكلموا في النبوة وحقيقتها بكلامهم ، وهو عاجز عن معرفة حقيقة الأمر ، فيعتقد هذا في النبوة .

وهؤلاء يكثرون في أماكن الفترات التي تضعف فيها آثار النبوة ، إذا لم يكن هناك من يقوم بحقائقها ، وهؤلاء يكونون في الدول الجاهلية كدولة بني عبيد ودولة التتار ونحوهم .

ومن هؤلاء من يغفر الله له فإنه إذا اجتهد وسعه في الإيمان بالرسول ، ولم يبق له قدرة على أكثر مما حصل له من الإيمان به : لم يكلف الله نفسا إلا وسعها .

وإن كان قوله ، بعد قيام الحجة عليه : كفرا ؛ كالذي قال لأهله : ( إذا أنا مت فاسحقوني ثم أذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ) . والحديث في الصحيحين من غير وجه .

فإن هذا جهل قدرة الله على إعادته ، ورجا أنه لا يعيده ، بجهل ما أخبر به من الإعادة ؛ ومع هذا : لما كان مؤمنا بالله ، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، خائفا من عذابه ، وكان جهله بذلك جهلا لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله = غفر الله له .

ومثل هذا كثير في المسلمين .

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخبر بأخبار الأولين ليكون ذلك عبرة لهذه الأمة " انتهى، من "الصفدية" (1/233) .

وقال أيضا :

" ... وبينا أن المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطئ في بعض الأمور العلمية الاعتقادية ، فيغفر له ، كما يغفر له ما يخطئ فيه من الأمور العملية .

وأن حكم الوعيد على الكفر : لا يثبت في حق الشخص المعين ، حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله ، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً .

وأن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة : لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة ، حتى أنكر ما جاءت به خطأ : كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة ". انتهى ، من "بغية المرتاد" (311) .

وأما الأمر الثاني : فهو أن الواجب في النظر إلى الشخص المعين ، أو الطائفة المعينة : موازنة ما عنده من الخير والشر ، والحسنات والسيئات ، ونحو ذلك . ثم يكون أمر المعاملة معه ، وفق ذلك .

ويتأكد ذلك في أزمان ضعف آثار النبوة ، أو في حق الشخص إذا كان يقيم في بلد تشيع فيها البدعة ، وتضعف فيها السنة وآثار النبوة ، فضلا عن بلاد الغرب ، وديار الكفار .

فهذا لا يسعه أن يضيق دائرة معارفه ، وعلاقاته ، وقبوله ، وانتفاعه ؛ فإن هذا يضيق الأمر عليه جدا ، ويتعذر عليه أن يسلك السبيل الإسلامية الخالصة ، لعزة من يسلكها ، أو يعينه عليها في بلاد الكفر ، أو أزمنة الجهل ، وضعف آثار النبوة .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" قد يقترن بالحسنات سيئات إما مغفورة أو غير مغفورة وقد يتعذر أو يتعسر على السالك سلوك الطريق المشروعة المحضة إلا بنوع من المحدث لعدم القائم بالطريق المشروعة علما وعملا. فإذا لم يحصل النور الصافي بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف. وإلا بقي الإنسان في الظلمة فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة. إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه ؛ وإلا : فكم ممن عدل عن ذلك ، يخرج عن النور بالكلية ، إذا خرج غيره عن ذلك؛ لما رآه في طرق الناس من الظلمة." . انتهى، من "مجموع الفتاوى" (10/364) .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم 224640 ورقم 269201

والحاصل :

أن الواجب عليك أن تنظري في أمرين مهمين :

الأول : دفع فتنة الخلطة برجل أجنبي ، فتحتاطين لنفسك ، بعدم الخلوة ، والأمن من تلاعب الشيطان ومكره وكيده .

ومتى ما أمكنك الاستغناء عن ذلك ، بغيره من السبل الآمنة : فهو الأبرأ لدينك وعرضك .

والثاني : أنه إذا لم يكن هناك من جماعات المسلمين ، من هو أفضل حالا ، وألزم للسنة من هؤلاء ، فلا يظهر لنا حرج في الحضور عندهم ، والاختلاط بهم ، والانتفاع بذلك ، ولو كان فيه بذل بعض المال الذي يضعونه في أنشطتهم ، فلا نرى حرجا في ذلك ، ما دام الغالب على أمرهم الخير والسلامة .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب