الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

هل من الشرك مقولة؛ عذرا يا رسول الله، لكن ليس على سبيل الطلب

285279

تاريخ النشر : 04-07-2018

المشاهدات : 15208

السؤال

حكم قول " عذرا رسول الله ، أو سامحنا يا رسول الله " بغرض الندبة والتحسر لا على سبيل الدعاء ، فهل هذا من الشرك ؟

الجواب

الحمد لله.

استعمال هذه الأساليب الخطابية على سبيل إظهار الحزن والأسى، بسبب اعتداء أهل الكفر على عرضه صلى الله عليه وسلم؛ وليس على سبيل الطلب ليس من الشرك.

وقد حصل من بعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ أنهم خاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لا على سبيل الطلب.

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: وَا كَرْبَ أَبَاهُ!

فَقَالَ لَهَا:   لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ  .

فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ! أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ! مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ! إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ ... ) " رواه البخاري (4462).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ( يَا أَبَتَاهُ ) كأنها قالت : يا أبي ، والمثناة [ أي التاء] بدل من التحتانية ، [أي : الياء] ، والألف للندبة ، ولمد الصوت ، والهاء للسكت " انتهى من "فتح الباري" (8 / 149).

ومثل هذا النداء: لا يراد به حقيقته الذي هو أن يجيبه المدعو، وإنما المراد هو التحسر والتألم .

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، ... فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ  فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، فقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا ... " رواه البخاري (3667).

وعلى هذا الوجه ؛ فالمتكلم بمثل هذا كأنه يستحضر النبي صلى الله عليه وسلم في قلبه ويظهر البراءة وعدم الرضا عن الاعتداء الحاصل عليه صلى الله عليه وسلم.

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: " أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُعَافِيَنِي.

فَقَالَ:   إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ لَكَ وَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ  .

فَقَالَ: ادْعُهْ!

فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي قَدْ تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ  رواه الترمذي (3578) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ "، ، ورواه ابن ماجه (1385) واللفظ له.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( يا محمد يا نبي الله ) هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب الشهود بالقلب: كما يقول المصلي: ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا، يخاطب من يتصور في نفسه، وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2 / 319).

وينظر السؤال رقم : (237968) ، (250434) .

لكن ليس للمتكلم أن يطلق هذه العبارة أمام أناس يجهلون المقصود بها ، ويسيئون فهمها ، بل ينبغي أن يعدل عنها إلى غيرها ، ويدع ما يشكل على الناس ، وتضيق عنه عقولهم ، إلى الواضح البين ، الذي لا يشكل أمره .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب