الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

أمه مطلقة وتريده أن يعيش معها ، وأبوه يعارض ذلك ، فماذا يفعل؟

285312

تاريخ النشر : 05-02-2018

المشاهدات : 10992

السؤال

أنا أبلغ من العمر ١٤ عاما وأنا ولد وأخاف العقوق بسبب طلاق أمي وأبي كل واحد منهم يريد عكس الثاني هما مطلقين منذ عمرى ٣ شهور وأواجه مشكلة الآن أمي تعيش في مدينة تبعد عن أبي ١ ساعة وأمي تحتاجني كمحرم وأساعدها وأخفف من اٌلمها وتريدني أمي بشدة وعندها القدرة المالية والسكن و المدرسة وأبي لا يمكن إقناعه ، فهل أذهب وأعيش عند أمي وأقر عينها . خاصة وأن أبي ولله الحمد عنده أكثر من ولد و غير محتاج لي مثل أمي. يمكنني زيارة أبي عند رغبتة وسؤالي : هل يجوز لي أن أعيش عند أمي ؟

ملخص الجواب

بر الوالدين من أعظم المأمورات التي أمر الله بها، ويجب أن يجمع الإنسان بين طاعتهما، وتفضل الأم بالطاعة عند التعارض، لكن عليك مراعاة حرص والدك على قربك ، ونظره لمصلحتك ، واهتمامه بشأنك .   

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
للابن البالغ أن يبيت حيث يشاء ، لأنه ببلوغه صار متوليا لأمور نفسه بنفسه ، ولا ولاية لأحد عليه ، إلا إذا اختار مكانا يخشى عليه منه أن يقع في شيء من الفساد ، فإنه يمنع من ذلك .
قال البهوتي رحمه الله في "الروض المربع" (7/161) : "ويكون الذكر بعد بلوغه ورشده حيث شاء ، لأنه لم يبق عليه ولاية لأحد" انتهى .
قال ابن قاسم في حاشيته :
"وسواء كان عند أبيه أو عند أمه أو منفردا بنفسه .. لقدرته على إصلاح أموره ، إلا أن يكون أمرد ، يُخاف عليه الفتنة ، فيمنع من مفارقتها" انتهى .

فتبين بذلك أن لك الحق أن تبيت عند أبيك أو عند أمك ، وليس لأحدهما أن يلزمك بما لا تريد.

ثانيا : 
عليك أن تلتمس طاعة والديك والقيام بحقهما والجمع بين رغبتيهما قدر المستطاع ، دون أن تخسر واحدا منهما ، ونجاحك الأكبر هو في تحقيق هذا الهدف .

وننصحك بعدد من الأسباب لعلك تستطيع ذلك :
-      دعاء الله سبحانه بأن يوافق أبوك على تحقيق رغبة أمك .
-      أن تجعل أحد أقربائك العقلاء يتوسط ويقنع والدك بأن تذهب إلى أمك.
-      أن تكلم أنت أباك بأسلوب حسن ومؤدب ، بأنك تريد أن تذهب ، وتقعد مع أمك لتخدمها وترعاها، وتذكره بفضل ذلك وأنه متى ما دعاك وأرادك رجعت إليه، أو أن تخصص أياما من الأسبوع تكون فيها عنده .

وقد روي أن رجلا قال لمالك : والدي في السودان ، كتب إلي أن أقدم عليه ، وأمي تمنعني من ذلك ، فقال له مالك : أطع أباك ولا تعص أمك ! يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده ، ولو بأخذها معه ، ليتمكن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمه . ينظر "التوضيح لابن الملقن" (15/458) .
 
لكن إذا تعارض رغبة أمك ، ورغبة أبيك ، ولم يمكنك الجمع بينهما ، ولا التوفيق بين الرغبتين بصورة ممكنة ، مقبولة ؛ فهنا تقدم طلب الأم على الأب، وهذا مذهب جمهور العلماء .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ
رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) . 

وقد نقل ابن حجر رحمه الله أقوال العلماء في "فتح الباري"(10/402):
"قال ابن بطال مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر . 
قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى به، ثم تشارك الأب في التربية . 
وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)، فسوّى بينهما في الوصاية ، وخص الأم بالأمور الثلاثة . 
قال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة . 
وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب" انتهى .

ويتأكد ذلك : إذا لم يكن عند الوالدة محرم لها ، يكون معها إذا ذهبت أو قعدت . 

لكن لا يحل لك أن تهمل حق الوالد بالكلية ، بل تواصله دائما ، وتزوره ، وتجتهد في أن تهيئ مصلحة أمك ، وتقضي حاجتها في بعض أيامها ، وتستئذنها لتبيت مع والدك يوما ، أو نحو ذلك ، مما يرضيه ، ويقر عينه بك ، ولا يضر بحق أمك ، ولا مصلحتها . 

وينظر جواب السؤال (134593) .

والخلاصة:
بر الوالدين من أعظم المأمورات التي أمر الله بها، ويجب أن يجمع الإنسان بين طاعتهما، وتفضل الأم بالطاعة عند التعارض، لكن عليك مراعاة حرص والدك على قربك ، ونظره لمصلحتك ، واهتمامه بشأنك . 
يسر الله لك أمرك ، وأقر عينك برضا والديك ، وأقر عينهما ببرك لهما . 
 
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب