الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل يستحب للمرأة لبس البياض؟

289929

تاريخ النشر : 30-07-2018

المشاهدات : 54328

السؤال

عندي سؤالان بالنسبة للحديث التالي: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:  البَسُوا مِن ثيابِكم البَياضَ؛ فإنَّها مِن خَيرِ ثِيابِكم، وكَفِّنوا فيها مَوتاكم   .

 ١- هل يشمل هذا الحديث الرجال والنساء على حدٍ سواء؟ بالنسبة للنساء لا أقصد لون الحجاب، إنما أقصد الملابس التي تلبسها المرأة في البيت ، أو في مكان العمل ، وغير ذلك.

٢- وهل يجوز أن تلبس المرأة ثوباً أو قميصاً طويلاً، أبيض اللون، سواء كان بنصف كُمْ أو بكُمْ طويل، لكنه مُفَصَّل للنساء ؟ أم لا يجوز لأنه أشبه بثوب الرجل؟ فيدخل في حديث تشبه النساء بالرجال ؟ ولأن مثل ذلك قد يكون نادراً جداً لبسه عند النساء ، وقد تستغرب بعض النساء ممن تلبس ذلك.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ .

رواه أبو داود (4061) ، والترمذي (994) وصححه ، وغيرهما ، وصححه الألباني .

قال المناوي رحمه الله :

"هذا خطاب لعموم الخلق ، لقوله : ( ثيابكم ) ، ولم يقل : ( ثيابنا ) ؛ فهو خير الثياب ، لأنها لم يمسها صبغ يحتاج إلى مؤونة ولم يؤمن فيها نجاسة ، ولأن البياض لا يكاد يخفي أثر يلحقه ، فيظهر ، ولأن الألوان تعين على الكبر والمفاخرة ، ولأن البياض أعم وأيسر وجودا " انتهى من "فيض القدير" (3/485) .

وقال القاري رحمه الله :

" أَمْرُ نَدْبٍ. (مِنْ ثِيَابِكُمْ) : مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَوْ بَيَانِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ. (الْبَيَاضَ) أَيْ: ذَاتَ الْبَيَاضِ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْبِيضَ، فَلَا تَجُوزُ. (فَإِنَّهَا) أَيِ: الثِّيَابَ الْبِيضَ. (مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ) : الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّ اللَّوْنَ الْأَبْيَضَ أَفْضَلُ الْأَلْوَانِ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَبْيَضَ لَا يُسَمَّى مُلَوَّنًا، هَذَا وَقَدْ لَبِسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَيْرَ الْأَبْيَضِ كَثِيرًا لِبَيَانِ جَوَازِهِ أَوْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِهِ. ( وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ) : الْأَمْرُ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَحَبُّهَا الْبَيَاضُ، وَلَا بَأْسَ بِالْبُرْدِ وَالْكَتَّانِ لِلرِّجَالِ، وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْحَرِيرُ، وَالْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ اعْتِبَارًا لِلْكَفَنِ بِاللِّبَاسِ فِي الْحَيَاةِ " انتهى  من "مرقاة المفاتيح" (3/1187) .

ثانيا :

وأما عن خصوص المرأة :

فلها في بيتها أن تلبس ما شاءت ، من زي النساء ولبسهن ، ولها أن تتزين بما شاءت من زينة النساء ، وحليتهن .

ولها أن تتخير مع ذلك من الألوان ما أحبت .

وإذا اختارت أن تلبس الأبيض في بيتها ، وأن تتحلى به ، وفضلته على غيره من الألوان ، عملا بهذا الحديث : فلا حرج عليها ، بل هو حسن ، إن شاء الله .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"  هل يجوز للنساء أن يرتدين الثوب الأبيض في الصلاة وهن في البيوت يصلين؟" ؟

فأجاب :

" إذا كان الثوب ساتراً ، مباحاً : فإنه لا حرج ؛ لأنه لا عبرة باللون ، فالمرأة يجوز أن تلبس أبيض وأصفر وأحمر وأخضر .

ولكن لا تتشبه بالرجال في هذه الألبسة ، أي لا تلبس ثوباً يكون خياطته كخياطة ثياب الرجال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء .

وكما أن المرأة والرجل مفترقان قدراً ، فإنه يجب أن يفترقا شرعاً أيضاً ، كما أمر الله تبارك وتعالى فللمرأة خصائصها وللرجال خصائصهم.

فضيلة الشيخ: ما معنى يفترقن قدراً ويفترقن شرعاً؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يفترقن قَدَراً لأن الله سبحانه وتعالى فرق بين الرجل والمرأة في الخلقة ، وفي العقل ، وفي البصيرة ، وفي الشكل ، وفي النطق ، وفيما هو معلومٌ من الفرق بين الرجال والنساء في الخلقة .

وأما شرعاً : فإن الله تعالى فرق بين الرجال والنساء في مسائل كثيرة من الدين ، وخصوصاً محاولة تشبه هؤلاء بهؤلاء ؛ فإنه كما أسلفنا : قد لُعن الفاعل المتشبه من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال .

ولهذا تجد أن المرأة ليس عليها جهاد ، وليس عليها جماعةٌ في المساجد ، وليس عليها جمعة ، وكذلك لا تسافر وحدها ، بل لا بد أن تسافر بمحرم .

إلى أشياء كثيرة اختلفت فيها المرأة عن الرجل بحسب ما يليق بخلقتها وخلقة الرجل." انتهى ، من فتاوى "نور على الدرب" (8/2) ـ الشاملة ـ

ثالثا :

وأما خارج بيتها : فإنها مأمورة بالحجاب الشرعي ، بصفته المعروفة .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (6991) .

وليس من شروط حجاب المرأة ، وملابسها خارج بيتها : أن تكون سوداء ، أو تكون ذات لون معين ؛ بل متى توافرت فيها الشروط الشرعية ، كان حجابا شرعيا ملائما لها .

غير أنها إن تخيرت لونا لملابسها وحجابها : وجب عليها أن تراعي ما تعارف عليه نساء بلدها ، فلا تخرج عما اعتاده نساؤها في لبسهن ، ولا تلبس لباس شهرة ، يعرفها الناس به ، ويشيرون إليها إذا لبسته ؛ لما ورد من النهي عن لباس الشهرة ، والوعيد في حقه .

وينظر جواب السؤال رقم : (39570) .

وبناء على ذلك نقول :

إذا كانت المرأة في بلد لا يعتاد نساؤه لبس الأبيض خارج البيت ، كما هو حاصل في بلاد الخليج ونحوها : لم يجز للمرأة أن تلبس الأبيض خارج بيتها ، بل يكون ذلك من لباس الشهرة المنهي عنه .

وإذا كانت في بلد يعتاد نساؤه لبس الأبيض خارج البيت ، كما نرى نساء كثير من البلاد الإسلامية ، لا سيما كبيرات السن منهن : يلبسن الأبيض في المناسك ، ويعتدن ذلك من غير نكير ، ولا شذوذ ، ولا شهرة .

فلا حرج على المرأة المسلمة ، حينئذ ، في لبس ما يعتاده نساء بلدها من الملابس ، ما دامت قد تحققت فيها صفات الحجاب الشرعي .

هذا ، مع التنبيه إلى أن عليها أيضا تراعي عادة أهل بلدها في ذلك اللباس .

ففي بعض البلاد : يعتاد نساؤه لبس الخمار الأبيض ، من غير أن يلبسن جلبابا أبيض خارج البيت .

فحينئذ ، يقال لها : لك أن تلبسي الخمار الأبيض ، ولك أن تتخيريه على غيره من الألوان ، من غير أن تلبسي جلبابا أبيض ، إذا يوقعك في حد لباس الشهرة المنهي عنه ، أو بلغ أن يكون زينة في نفسه ، بعرف بلدك ، لافتا لأنظار الرجال إليك .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "   لبس الثوب الأخضر أو الأصفر أو غيرهما من الألوان للمرأة في الحج ما حكمه؟" .

فأجاب :

"   لا بأس به، أي: لا بأس على المرأة أن تلبس ما شاءت من الثياب ، بأي لون كان ، إلا ما يعد تبرجاً وتجملاً فإنها لا تفعل؛ لأنها سوف تلاقي رجالاً ويشاهدها الرجال، وقد قال الله تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ [الأحزاب:33] .

فمثلاً: الثوب الأبيض : يعتبر في عرفنا نحن من ثياب الجمال بالنسبة للمرأة، فلا تلبس المرأة في حال الإحرام ثوباً أبيض؛ لأن ذلك يلفت النظر إليها ويرغب النظر إليها؛ ولأن المعروف عندنا أن الثوب الأبيض بالنسبة للمرأة ثوب تجمل والمرأة مأمورة بأن لا تتبرج في لباسها " انتهى من " دروس الشيخ ابن عثيمين" ـ الشاملة ـ .

وسئلت اللجنة الدائمة : هل يجوز للمرأة لبس الثوب الضيق؟ وهل يجوز لها لبس الثوب الأبيض؟ " .

فأجابوا :

" لا يجوز للمرأة أن تظهر أمام الأجانب، أو تخرج إلى الشوارع ، والأسواق وهي لابسة لباسا ضيقا يحدد جسمها، ويصفه لمن يراها، لأن ذلك يجعلها بمنزلة العارية، ويثير الفتنة، ويكون سبب شر خطير .

ولا يجوز لها أن تلبس لباسا أبيض ، إذا كانت الملابس البيضاء في بلادها من سيما الرجال وشعارهم؛ لما في ذلك من تشبهها بالرجال، وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المتشبهات من النساء بالرجال. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس

عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من "فتاوى اللجنة" (17/95) .

وينظر للأهمية جواب السؤال رقم : (241823) .

والحاصل :

أن للمرأة أن تلبس الأبيض في بيتها ، ولها أن تتخيره على غيره من الألوان .

وأما خارج البيت : فإنها تراعي في ذلك عادة النساء في بلدها ، ولبسهن ؛ فإذا كان الأبيض من زي الرجال ، أو كان يخرجها إلى لباس الشهرة ، أو أن يكون زينة لافتا للأنظار إليها : لم يجز لها أن تلبسه خارج البيت .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب