السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

هل الكلمات في السكر الروحي معفوٌّ عنها ؟

6083

تاريخ النشر : 03-09-2002

المشاهدات : 16519

السؤال

قال حمزة يوسف عندما تحدث عن المخاوف التي يخافها الناس من الصوفية : " السبب الرابع: هو الخوف عموماً من الضلال باتباع عقائد خفية دون التأكد من صحتها كما يحدث لكثير من الجهال ، لذلك ربما يسمع الجهال من الناس بعض العبارات التي تقال على ألسنة الصوفية ولا يفهمونها بالكلية ، وفي طبقات الإمام الذهبي أن أبا اليزيد البسطامي يعتبر فقيهاً وأن الإمام الذهبي يُعتبر تلميذ ابن تيمية ويَعتبر أبا اليزيد البسطامي مصدراً للحديث ، ولكنَّ أبا اليزيد هذا هو الذي قال " سبحاني " وهذه الكلمة معروفة بالكلمة الفنية للصوفيين " شطحة " بحيث لو قالها شخص وهو مغيب النفس لا يؤاخذ بها ، وهناك دليل في البخاري عن عبدٍ في وسط الصحراء وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل لما وجد راحلته المفقودة صاح بفرحة " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " ، وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العبد أخطأ في مقولته بعد أن وجد راحلته ، هذا بالنسبة للشخص الذي وجد راحلته فكيف بالشخص الذي يجد ربَّه ؟ .
هل يعني الحديث في البخاري أن الكلمات التي يقولها الشخص وهو في حالة " سكر روحي " معفو عنها ؟.

الجواب

الحمد لله.

أبو يزيد البسطامي هو:  طيفور بن عيسى ، توفي سنة 261 هـ ‍.

ولا يُعلم عنه أنه كان من المشتغلين بالحديث ، ولم يذكر ذلك عنه الذهبي في ترجمته، بل ذَكَرَ عنه ما قد يُؤخذ منه سخريته من أهل الحديث ودعواه أنه يتلقى علمه عن الله تعالى مباشرة!! وهو قوله : ما المحدِّثون ؟ إن خاطبهم رجل عن رجل فقد خاطبنا القلب عن الرب!!

وقد نُقلت عنه شطحات كثيرة قوله :  "ما في الجُبَّة إلا الله"، و "ما النَّار ؟ لأستندنَّ إليها غداً وأقول : اجعلني فداءً لأهلها وإلا بلعتُها" ، و "ما الجنَّة ؟ لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا" .

ومن أجل هذه العبارات التي ظاهرها الكفر والإلحاد حكم عليه بعض العلماء بفساد الاعتقاد، وأنه مبتدع واعتذر عنه آخرون .

قال ابن كثير رحمه الله : وقد حُكي عنه شطحاتٌ ناقصاتٌ ، وقد تأوَّلها كثيرٌ من الفقهاء والصوفية ، وحملوها على محاملَ بعيدةٍ ، وقد قال بعضُهم إنَّه قال ذلك في حال الاصطلام– أي : الفناء – والغيبة ، ومن العلماء مَن بدّعه وخطّأه وجعل ذلك من أكبر البدع ، وأنَّها تدلُّ على اعتقادٍ فاسدٍ كامِنٍ في القلب ظهر في أوقاته .

" البداية والنهاية " ( 11 / 38 ) .

وبالرجوع إلى سير أعلام النبلاء للذهبي تبين أن الذهبي لم يصف أبا يزيد بأنه فقيه ، ولا اعتبره مصدراً للحديث ، بل نقل عنه كلمات جيدة ، ونقل عنه أيضاً هذه الشطحات ، فقال :

وجاء عنه – أي : عن أبي يزيد - أشياء مشكلة لا مساغ لها ، الشأن في ثبوتها عنه ، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو ، فيطوى ولا يحتج بها ، إذ ظاهرها إلحاد مثل "سبحاني" ، و "ما في الجبة إلا الله" ، "ما النار ؟ لأستندن إليها غداً وأقول : اجعلني فداء لأهلها وإلا بلعتُها" ، و "ما الجنة ؟ لعبة صبيان ، ومراد أهل الدنيا" . . . إلخ

" سير أعلام النبلاء " ( 13 / 88 ) .

ولعل الذي حمل بعض العلماء على الاعتذار عنه أنه نُقلت عنه كلمات جيدة في الحث على اتباع الشرع والوقوف عند حدوده ، مع ما حُكي عنه أنه كان إذا أفاق أنكر هذه الشطحات .

انظر : منهاج السنة (5/357) ، ومدارج السالكين (2/119) .

ومما ينبغي أن يُعلم أن مثل هذه الكلمات غاية أمر صاحبها أن يكون معذوراً فيها غير مؤاخذ عليها ، ولا يصح أن تجعل هذه الكلمات دليلاً على الولاية والعلم والتحقيق .

قال شيخ الإسلام :

والذين يذكرون عن أبى يزيد وغيره كلمات من الاتحاد الخاص ونفي الفرق ويعذرونه في ذلك يقولون إنه غاب عقله حتى قال : "أنا الحق" و "سبحاني" ، و "ما في الجبة إلا الله" . ويقولون إن الحب إذا قوي على صاحبه وكان قلبه ضعيفا يغيب بمحبوبه عن حبه ، وبموجوده عن وجوده ، وبمذكوره عن ذكره ، حتى يفنى من لم يكن ، و يبقى من لم يزل . . . فمثل هذا الحال التي يزول فيها تمييزه بين الرب والعبد وبين المأمور والمحظور ليست علما ولا حقا ، بل غايته أنه نَقَصَ عقلُه الذي يفرق به بين هذا وهذا ، وغايته أن يعذر لا أن يكون قوله تحقيقا اهـ

مجموع الفتاوى 8/313.

ثم محل العذر إذا كان الإنسان وصل إلى حال غياب العقل من غير اختياره ، أما إذا فعل ما يذهب عقله ، فإنه يلام بلا شك على ذلك الفعل . كما لو شرب الخمر أو جعل يرقص في حِلَق الذكر حتى غاب عن الوعي .

قال شيخ الإسلام :

لكن بعض ذوى الأحوال قد يحصل له فى حال الفناء القاصر سكر وغيبة . . . فقد يقول فى تلك الحال : "سبحانى" أو "ما فى الجبة إلا الله" أو نحو ذلك من الكلمات التى تؤثر عن أبى يزيد البسطامى . . . وكلمات السكران تطوى ولا تروى ولا تؤدى إذا لم يكن سكره بسبب محظور من عبادة أو وجه منهى عنه فأما إذا كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا ، لا فرق في ذاك بين السكر الجسمانى والروحانى اهـ

 مجموع الفتاوى (2/461) .

وأما مدح هذه الكلمات ، وكذلك مدح كلام الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح وقال : "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" فمن الخطأ الفاحش إذ كيف يمدح هذا الكلام بعد ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالخطأ فقال : (أخطأ من شدة الفرح) ؟!

وهذه الكلمات تدل على نقص عقل صاحبها أو غيابه بالكلية وقت تلفظه بها ، فكيف يكون نقص العقل وغيابه مدحاً وكمالاً وولايةً ؟!

وهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أكمل البشر بعد الأنبياء خوفا من الله ، ورجاء له ، وتحقيقا للعبودية والولاية لم تنقل عنهم مثل هذه الكلمات لكمال عقولهم واتباعهم للشرع رضي الله عنهم أجمعين .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب