الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

التعليل والاحتجاج بمقاصد الشريعة

270727

تاريخ النشر : 24-09-2020

المشاهدات : 8017

السؤال

هل مقاصد الشريعة حجة ؟ وهي تعتبر أصلا من أصول الفقه؟

الحمد لله.

أولا: تعريف مقاصد الشريعة 

مقاصد الشريعة: "هي المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموماً وخصوصاً من أجل تحقيق مصالح العباد" انتهى من "مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية" للدكتور: محمد بن سعد اليوبي، ص 37.


ثانيا: هل مقاصد الشريعة دليل شرعي ؟

المقاصد ليست دليلا شرعيا قائما بنفسه ، لكنها تدخل في الأدلة من بابين:

الأول: عند من يعلل بالحكمة أو بالمصلحة، ويوسع بذلك دائرة القياس الذي هو أحد الأدلة المتفق عليها، فتكون المقاصد عنده داخلة في دليل القياس.

قال الدكتور نعيم جغيم: " قضية التعليل بمقاصد الأحكام الشرعية : مطروقة عند الأصوليين منذ القديم تحت مسمى "التعليل بالحكمة" و"العلل المصلحية".

ومن أقدم المصادر الأصولية التي تحدثت عن هذا كتاب: الفصول في الأصول للجصاص الحنفي، حيث فرّق بين "علل المصالح" و"علل الأحكام"، أي العلل القياسية. وصرح بأن "علل المصالح ، ليست هي العلل التي يقاس عليها أحكام الحوادث." .

ويعلل المنع من اتخاذ "علل المصالح" أساسا للقياس بأمرين: أولهما: أن "علل المصالح" لا تُعرف إلا بالنص من الشارع، حيث يقول: "وتلك المعاني لا نعلمها إلا من طريق التوقيف، وإن كنّا قد علمنا في الجملة أن المصلحة في الحكم الذي تُعُبِّدنا به." ومثّل لذلك بقصة موسى مع الرجل الصالح.

والأمر الثاني: أن المصالح متعلقة بالمكلَّفين المتعبَّدين بالشرع، وليست متعلقة بالأحكام ذاتها، حيث يقول: "وعلل المصالح إنما هي معان في المتعبَّدين ، لا في الأصول المتعبَّد بها." .

وهو يرى أن المصالح نفسها : هي الأحكام التي تعبدنا الله تعالى بها.

أما علل الأحكام : فإنما هي أوصاف في الأصل المعلول، وهي أمارات للأحكام، وعلامات لها، لا على سبيل الإيجاب كما هو الحال في العلل العقلية، وإنما تعلق الأحكام بها ، حسب تعلقها بالأسماء.

كما ناقش الأصوليون فيما بعد المسألة ضمن مبحث "التعليل بالحكمة"، واختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:

أولها: رفض التعليل بالحكمة مطلقا، والاقتصار في التعليل القياسي على الوصف الظاهر المنضبط الذي هو مظنة تحقيق الحكمة.

والثاني: جواز التعليل بالحكمة مطلقا.

والثالث: جواز التعليل بها إن كانت ظاهرة منضبطة، وعدم جواز التعليل بها إن لم تكن كذلك.

ولما كثُر الحديث عن مقاصد الشريعة في عصرنا أصبحت المسألة تناقش تحت مسمى "التعليل بمقاصد الشريعة". وتقوم الدعوة إلى التعليل بمقاصد الشريعة على أساس التوسيع من دائرة القياس...

أما التعليل بالمقاصد العامة المتعلقة بمنهج التشريع، مثل السماحة والتيسير، ومراعاة الفطرة، فهو غير عملي؛ لأن هذه الخصائص تمثل السمات العامة للشريعة التي ينبغي على المجتهد مراعاتها في استنباط الأحكام وتنزيلها على الواقع، وهي ليست أدلة شرعية تفصيلية تستمد منها الأحكام بصورة مباشرة، كما سبق الإشارة إليه.

وكذلك الأمر في الكليات الخمس (حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، فهي تمثل الإطار العام الذي تدور فيه الأحكام الشرعية، ولكنها من العموم بحيث تصلح لمجرد الاستئناس والاهتداء بها، لا الاستدلال بها بشكل مباشر. فمثلا حفظ النفس مقصد عام، ولكننا نعلم أن النفس محفوظة في حالات ، ومهدرة في حالات، فإذا أردنا الاستدلال على حكم جزئية، فإنه لا يكفي أن نثبتها أو ننفيها بحجة كلية حفظ النفس، بل نبحث لها عن النوع أو الجنس الذي تندرج تحته. فلا يمكن –مثلا- أن نستدل على مشروعية أكل طعام ما بمجرد أنه يحفظ النفس؛ فكثير من الكفار يحفظون نفوسهم بأكل الخنزير والميتة، ولكن لا بد أن نرجع ذلك الطعام إلى جنسه أو نوعه المعلوم حكمه شرعا ، لنرى هل هو معتبر في حفظ النفس أم لا؟ وحفظ الدين مقصد عام، ولكن لا يمكن الاحتجاج بمجرد حفظ الدين ، دون النظر في جنس أو نوع الفعل الذي يراد حفظ الدين به؛ فكثير من الناس يبتدعون في الدين بحجة حفظ الدين، فيضيِّعون الدين من حيث يريدون حفظه. وقد يفتي البعضُ بما يرهق الناس أو يهلكهم ، فيما هو ليس من عزائم الأحكام بذريعة حفظ الدين".

وذكر الباحث أن المقاصد يستفاد منها في: الاستعانة بها في الترجيح بين الأحكام المتعارضة، من خلال معيار المراتب الثلاث للمصلحة: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات، أو من خلال معيار ترتيب الكليات الخمسة: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.

كما يستفاد من المقاصد في تحقيق المناط الخاص للحكم، وفي النظر إلى مآلات الأفعال.

وينظر البحث كاملا على هذا الرابط

 

والباب الثاني الذي تدخل منه المقاصد في أدلة الشرع: باب المصلحة المرسلة.

وهي: "التي لم يرد في اعتبارها أو إبطالها دليلٌ خاص من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، لكنها لم تخل عن دليل عام كلي يدل عليها، فهي إذن لا تستند إلى دليل خاص معين، بل تستند إلى مقاصد الشريعة وعموماتها، وهذه تسمى بالمصلحة المرسلة" انتهى من "معالم أصول الفقه" ص235.

قال الأمين الشنقيطي رحمه الله: "الحاصل : أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساوية، وأن جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة، وإن زعموا التباعد منها، ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم صحة ذلك.

ولكن التحقيق: أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ ، وغاية الحذر ؛ حتى يتحقق صحة المصلحة ، وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها ، أو مفسدة أرجح منها ، أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال" انتهى من كتابه "المصالح المرسلة" ص21

وللأخذ بالمصلحة المرسلة عند القائلين بها ضوابط، وهي:

"الأول: ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع  .

الثاني: أن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة.

الثالث: ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود، والمقدرات الشرعية، ويدخل في ذلك الأحكام المنصوص عليها، والمجمع عليها، وما لا يجوز فيه الاجتهاد.

الرابع: ألا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها، وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها" انتهى من "معالم أصول الفقه"، ص238

وهذا الموضوع  يحتاج إلى بسط لا يناسب الفتوى، ويمكنك الرجوع إلى ما كتب حول المقاصد.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب