الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

يعاني من الأحزان بسببب سوء معاملة من حوله

365157

تاريخ النشر : 17-02-2022

المشاهدات : 3050

السؤال

عمري ثلاثة وثلاثون عاما، متزوج، وموظف، كنت كثيرا أتعرض للإذلال والإهانة من قبل من حولي والآخرين، ويحقرونني ويهينونني، ويحقدون علي كثيرا، ويستخفون بي منذ صغري حتى الآن، غالبا أعاني من قلة الحظ والنحس في حياتي وعملي، غالبا لا أنجح في عملي علي رغم إنني أحاول، لم أحصل علي نتيجة جيدة، أو يحصل لي نتيجة عكس ما أريده، على رغم إنني لست شخصا ناجحا، ولكن الآخرون يحقدون علي، ويحسدونني، حتي إن بعضا منهم أعلى وأنجح مني، ولكن يحسدونني، وأنا لا أدری لماذا يكرهونني، أو أصنع معروفا لشخص ما وبعد قليل ينسى معروفي في حقه، و يحقدعلي، ويكرهني، أنا متوتر، وعصبي معظم الوقت، ولا أستمتع بحياتي، معظم الوقت أشعر بالحزن، أشعر بالحقارة والفشل، أكره نفسي، قلت رغبتي ونشاطي في العبادة والصلاة ، فآمل الإفادة.

الحمد لله.

أولًا :

الشيطان حريص على أن يحزِن العبد 

السائل الكريم: ما ذكرته وبسطته عن الأحزان التي تحيط بك من كل جانب وتتعب نفسك ... فهذا لأن عدوك الشيطان يريد منك أن تراها هكذا، فهو من شدة عداوته لبني آدم حريص على أن يدخلهم في دوامات اليأس والقنوط والاكتئاب والأحزان.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" ... وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره [يعني : عن سيره إلى الله بالعبادات] ويوقفه عن سلوكه، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ).

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة: ( أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث، لأن ذلك يحزنه ).

فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ) فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما يستقبل: أورثه الهم، وإن كان لما مضى: أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتر للعزم" انتهى. "مدارج السالكين" (2 / 1285 – 1286).

والله سبحانه وتعالى رحيم بالمؤمنين،  وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا الأحزاب/43.

ومن رحمته أن أرشدنا للعلاج الذي ينشرح به صدر المؤمن ويعيش به حياة طيبة إذا أخذ هذا العلاج بصدق.

فما وقع للعبد من الحوادث التي تورث الحزن، فعلاجها بتحقيق الإيمان بالقضاء والقدر، فيتيقن المسلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، فإذا صدق في هذا الإيمان أغلق باب الماضي واشتغل بعمارة حاضره بالأعمال والأفكار النافعة.

قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الحديد/22–23.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه وقدره: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ ) وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر، فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، لا بد من نفوذه ووقوعه، فلا سبيل إلى دفعه، ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومنّه، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم " انتهى من"تفسير السعدي" (ص 842).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ رواه مسلم ( 2664).

فانس إساءة من أساء إليك في الماضي ، واعلم أن ذلك مقدر ومكتوب في اللوح المحفوظ ، وأنك سوف تقتص ممن ظلمك يوم القيامة ، والله تعالى لا يضيع حق أحد ، فاطو صفحة الماضي ، ولا تعد إليها ، وأقبل على الله بجد ونشاط .

ثانيًا :

علاج الحزن

وأما علاج الحزن الذي يولده ما تراه وتشعر به من إساءة من حولك ومقابلتهم الإحسان بالإساءة، فعلاجه أن يوطن المسلم نفسه على أن أجره على حسن معاملته للناس إنما يأخذه من الله تعالى وحده، فلا ينتظر من الناس مقابلا.

قال الله تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًاالإنسان /5 – 9.

ويعلم أن كل ما يصيبه من ظلم وألم ، هو له أجر إن صبر، فهو الفائز، فلماذا يحزن؟!

فإذا أحسنت النية في صبرك على أذى من حولك ، فإنك موعود بالأجر العظيم.

قال الله تعالى: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ الرعد/22-24.

فخير سبيل للخروج من هذه الأحزان، هو أن تحوّل البلاء المحيط بك إلى مصدر أجر تنتفع به وذلك بملازمة الصبر والتطلع إلى جميل ما يتولد عنه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" والصبر على البلاء ينشأُ من أسباب عديدة:

أحدها: شهود جزائها وثوابها.

الثاني: شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.

الثالث: شهود القدر السابق الجاري بها، وأنها مقدرة في أُم الكتاب قبل أن تخلق فلا بد منها، فجزعه لا يزيده إلا بلاء.

الرابع: شهوده حق الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبر بلا خلاف بين الأُمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين، فهو مأْمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بد له منه، وإلا تضاعفت عليه.

الخامس: شهود ترتبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى: ( وَمَا أصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيَكُمْ ).

وهذا عام في كل مصيبة دقيقة وجليلة، فيشغله شهود هذا السبب، بالاستغفار الذى هو أعظم الأسباب في دفع تلك المصيبة. قال على بن أبى طالب: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع بلاءٌ إلا بتوبة".

السادس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضى رضاه بما رضى له به سيده ومولاه...

السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته الرحيم به، فليصبر على تجرّعه، ولا يتقيأْه بتسخطه وشكواه فيذهب نفعه باطلا.

الثامن: أن يعلم أن في عُقبى هذا الدواءِ من الشفاءِ والعافية والصحة وزوال الأَلم ما لم يحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الدواء ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأْثيره. قال الله تعالى: ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ).

وقال الله تعالى: ( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً )...

التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءَت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه...

العاشر: أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال. فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال...

فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر " انتهى من "طريق الهجرتين" (2 / 600 – 604).

فيا أخي الكريم، هذا مفتاح السعادة قد أرشدنا إليه الشرع؛ فعليك أن تستعن بالله تعالى وتتناوله.

نسأل الله الكريم أن يفرج همك.

والنصيحة لك أن تراجع أحد الأطباء الموثوقين المتخصصين، ليساعدك على الخروج من تلك الأزمة.

وننصحك بالاطلاع على كتب مفيدة لمعالجة الحزن والقلق مثل كتاب "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" للشيخ السعدي، وكتاب:  "دع القلق وابدأ الحياة" لدايل كارينجي، ففيها طرق عملية للتعامل مع هذه المشكلة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب