الحمد لله.
أولاً :
نشكر الأخت السائلة على حرصها على تعليم أولادها القرآن الكريم ، فإن هذا من حسن التربية ، ونسأل الله لها التوفيق والإعانة على ذلك .
ثانياً :
النصيحة لها أن تحرص أشد الحرص على تعلم اللغة العربية فهي خير وسيلة لها لتزداد معرفة وعلما بهذا الدين العظيم ، وبالتالي تعلم أولادها ما تشاء من علوم نافعة ، ولأن الأم هي أكثر تأثيراً على أولادها من غيرها.
ثالثاً:
النصيحة للزوج أن يتقي الله تعالى وأن يعدل بين أولاده من حيث الاهتمام والحرص على تعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، وعلى رأس ذلك كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: أعطاني أبي عطية ، فقالت عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله ، قال : أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا ؟ قال: لا ، قال : فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ، قال : فرجع فردَّ عطيتَه .
رواه البخاري ( 2447 ) ومسلم ( 1623 ) .
والشاهد من الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على والد النعمان إعطاءه ابنه شيئاً دون إخوته ، ويدخل في ذلك أن يخص الرجل أحد أولاده بشيء دون الآخرين كتعليم أو غيره ، وكما أن الرجل يحب أن يتساوى أولاده في بره وطاعته فكذلك عليه أن يسوي بينهم في كل شأن ، ومن أسباب وقوع الحسد والبغضاء بين الأخوة تفضيل الأب أحد أولاده أو محبته أكثر من إخوته .
وفي قصة يوسف عليه أكبر شاهد على ذلك قال تعالى : إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين يوسف / 8 ، 9 .
رابعاً :
على الزوج أن يهتم بتعليم أولاده العلوم الشرعية وخصوصا اللغة العربية والقرآن الكريم وخاصة في حال الصغر لأن التعليم في الصغر يبقى في الذهن أكثر من التعليم في الكبر وكما يقال : " العلم في الصغر كالنقش في الحجر " ، ويتأكد ذلك إذا كان المسلم يعيش في تلك البلاد التي يكثر فيها الفتن والإغراآت وخصوصا للأطفال مع كثرة الملهيات .
خامساً :
الواجب على المسلم أن يتبع الكتاب والسنة لأنهما هما مصدر التشريع الإلهي قال الله تبارك وتعالى :( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء / 59 .
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله " .
رواه مسلم ( 1218 ) .
فأساس الهداية في اتباع الكتاب والسنة لا في اتباع قول أحد من البشر كائنا من كان ، على أننا لا نقلل من شأن الأئمة رحمهم الله ، فإننا نستعين بكلامهم في فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً ومعرفة الأحكام الشرعية ، وهذه المذاهب لا ينكرها المسلم ولا يقلل من شأنها ، بل لا حرج على المسلم أن يتفقه عليها وأن يستفيد منها ، ولكن الذي ينكَر على أصحاب المذاهب هو التعصب للمذهب والتقليد الأعمى والإصرار على العمل بالمذهب ولو خالف حديثا صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن أئمة المذاهب لم يتعمدوا مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن مما هو معلوم أن الصحابة تفرقوا في الأمصار والبلاد ، وأصحاب المذاهب أفتوا وتكلموا في الحلال والحرام بحسب ما وصلهم من الأدلة مع أنه قد يكون فاتهم بعض الأحاديث لن تصل إليهم ، قليلة كانت أو كثيرة ، فاجتهدوا في تلك المسائل التي لم تصلهم أدلتها فجاءت بعض تلك الاجتهادات مخالفة للسنة ، والواجب على المسلم في هذا هو اتباع السنة والاعتذار عن الأئمة ، واعتقاد أنهم مأجورون على اجتهادهم ومترددون بين أجر واحد أو أجرين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد أمرونا رحمهم الله باتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها :
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : إذا صح الحديث فهو مذهبي .
وقال : لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه .
وقال : إذا قلت قولا يخالف كتاب الله وخبر رسول الله فاتركوا قولي .
وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله : إنما أنا بشر أخطىء وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت .
وقال الإمام أحمد رحمه الله : لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا .
والشاهد : أن الأئمة رفضوا أن يتعصب أحدٌ لأقوالهم من غير دليل ، وخصوصا إذا خالف الكتاب والسنة وهم بشر ليسوا بمعصومين ، على أننا نعرف قدرهم وفضلهم ومرتبتهم في العلم ونستفيد منهم من غير تعصب لأقوالهم .
سادساً :
وأما المدرسة الأخرى التي وصفتها السائلة بأنها معروفة بالبدع ولكنها تولي القرآن اهتماماً جيداً ، فعلى السائلة أن تنظر إلى مصلحة أولادها وتوازن بين المصالح والمفاسد ، فإذا أمكن الاستغناء عن هذه المدرسة بإيجاد مدرس خاص للأبناء ونحو ذلك فإن محافظتها على أبنائها تقتضي أنها لا ترسلهم إلى مدرسة يتعلمون فيها البدع ، وكذلك إذا كانت هذه البدع من الأمور الكبيرة التي تؤدي إلى انحراف عن منهج أهل السنة والجماعة .
أما إذا كانت البدع يسيرة لا تصل إلى هذا الحد ومن السهل بيانها للأولاد وتحذيرهم منها ولا يوجد البديل لهذه المدرسة فإنه لا حرج إن شاء الله تعالى في إرسال الأولاد إلى هذه المدرسة مع التيقظ الكامل ، ثم إذا ظهر أن ذلك سيؤثر على الأولاد يجب منعهم من الذهاب إلى تلك المدرسة فوراً .
سابعاً :
لا شك أن الشيخ الذي يعلِّم الناس من الكتاب والسنة ويتحرى الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من غيره بل على المسلم أن يحرص على الاستفادة منه لنفسه ولزوجته وأولاده ، فالنصيحة للزوج أن يسمع من زوجته الحريصة على اتباع الكتاب والسنة ، وأن يعلم زوجته وولده اللغة العربية والقرآن الكريم ، وأن يعدل بين أولاده في ذلك ، وأن يتمسك بالكتاب والسنة ، وأن لا يتعصب لشيء من المذاهب والأقوال المخالفة للسنة ، وأن يكون لينا سهلا مع زوجته ، وأن يجرب ويعمل بنصيحتها ولعل الله أن يشرح صدره ويوفقه لعمل الخير .
ونسأل الله التوفيق للسائلة وأن يمدها من فضله وعونه وأن يثبتها على الحق .
والله أعلم .