المصلون في مسجده يفعلون بدعاً ومخالفات فكيف السبيل لنصحهم ؟
أنا طالب أدرس في بلد أجنبي كافر ، والمسلمون فيها أقلية ، ومستضعفون , يوجد بالقرب منِّي مسجد ، المصلون فيه يفتقدون الإمام , وهم يُسرُّون حينما أكون إماماً لهم , خاصة أني عربي ، وأتقن اللغة العربية , وبعد كل فرض يقومون بالذكر الجماعي ، ثم الدعاء الجماعي ، وهذا مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي بدعة , ولكن أخاف إذا نهيتهم عن ذلك أن ينفروا مني ، ويغضبوا , ماذا أفعل في هذه الحالة ؟ هل يجوز أن ألازمهم من أجل تأليف قلوبهم وتأملاً في إفادتهم ، لقد أحسست أنهم يفتقرون للعلم الصحيح والسنَّة ، وأرى أني أستطيع إفادتهم ببعض الأمور ، عسى الله أن يفتح قلوبهم ويتقبلوا المنهج الصحيح في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
قد أحسنتَ بسؤالك قبل أن تفعل ما يُمكن أن يؤثر سلباً على أولئك المصلين ، بل ويرتد
أثر ذلك عليك ، في صلاتك خاصة ، وعموم حياتك .
ومن أعظم صفات الداعية إلى الله : العلم ، والحكمة ، وبهما يستطيع الداعية تحقيق ما
يعجز عنه كثيرون ممن فقدوا نعمة العلم ، أو سُلبت منهم الحكمة وحسن التصرف مع
المخالفين .
وليست الحكمة تعني التمييع ، ولا التنازل عن شيء من الحق ، بل هي سلوك طريق يصل
بالمرضى من الجهلة والمبتدعة إلى بر العلم والسنَّة .
والداعية الحكيم يعلم أن هؤلاء المصلين يرجعون في فتاواهم إلى أئمة وعلماء يثقون
بدينهم وعلمهم ، فكيف يريد منهم الانتقال عنهم إليه هكذا مباشرة ، ودون مقدمات ؟! .
وليعلم الداعية إلى الله أن مفاجأة الناس بالسنَّة التي يجهلونها ، والإنكار عليهم
بما يفعلونه : قد يسبِّب بغضاً للسنَّة وأهلها من قبَلهم ، وهو ما يصنع الحواجز بين
الدعاة وبعض الناس في تعليمهم وتبيين السنَّة لهم ، ولا يعني هذا ترك نصحهم ، وإنما
المراد التدرج في دعوتهم .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح كلام علي بن أبي طالب : "
حدِّثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله "
رواه البخاري
- :
قوله في أثر علي رضي الله عنه : " حدِّثوا النَّاس " ، أي : كلِّموهم بالمواعظ وغير
المواعظ .
قوله : " بما يعرفون " ، أي : بما يمكن أن يعرفوه ، وتبلغه عقولهم ؛ حتى لا يفتنوا
، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : " إنك لن تحدث قوما حديثا لا تبلغه
عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " - رواه
البخاري -
ولهذا كان من الحكمة في الدعوة ألا تباغت الناس بما لا يمكنهم إدراكه ، بل تدعوهم
رويداً ، رويداً ، حتى تستقر عقولهم ، وليس معنى " بما يعرفون " ، أي : بما يعرفون
من قبل ؛ لأن الذي يعرفونه من قبل يكون التحديث به من تحصيل الحاصل .
قوله : " أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟! " الاستفهام للإنكار ، أي : أتريدون إذا
حدثتم الناس بما لا يعرفون أن يكذب الله ورسوله ، لأنك إذا قلت : قال الله ، وقال
رسوله : كذا وكذا ، قالوا : هذا كذب ، إذا كانت عقولهم لا تبلغه ، وهم لا يكذِّبون
الله ورسوله ، ولكن يكذبونك ، بحديث تنسبه إلى الله ، ورسوله ، فيكونون مكذِّبين
لله ورسوله ، لا مباشرة ، ولكن بواسطة الناقل .
فإن قيل : هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس وإن كانوا محتاجين لذلك ؟ .
أجيب : لا ندعه ، ولكن نحدثهم بطريقة تبلغه عقولهم ، وذلك بأن ننقلهم رويداً ،
رويدا ، حتى يتقبلوا هذا الحديث ، ويطمئنوا إليه ، ولا ندع ما لا تبلغه عقولهم ،
ونقول : هذا شيء مستنكر لا نتكلم به .
ومثل ذلك : العمل بالسنَّة التي لا يعتادها الناس ويستنكرونها ، فإننا نعمل بها ،
ولكن بعد أن نخبرهم بها ، حتى تقبلها نفوسهم ، ويطمئنوا إليها .
ويستفاد من هذا الأثر : أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل ، وأنه يجب على
الداعية أن ينظر في عقول المدعوين ، وينزِّل كلَّ إنسانٍ منزلته .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 10 / 774
، 775 ) .
فعليك أن تسلك سبيل الحكمة في دعوة
هؤلاء لترك الذِّكر الجماعي ، وما يفعلونه من بدع أخرى ، وما يتركونه من السنن ،
ونرى أن تفعل ما يلي :
1. المداومة على صلاة الجماعة بهم إماماً ، وأن تتقرب لقلوبهم من خلال الإمامة ،
ولا تتركها لغيرك فيستولي على صلاتهم واعتقادهم .
2. لا تشارك معهم في ذِكرهم ، وبدعهم ؛ مع التوكيد على ضرورة بقائك في مجلس الصلاة
للإتيان بالذكر الشرعي وحدك .
3. إعطاؤهم الدروس اليومية بجزء يسير من الوقت ؛ ليكون طريقاً لقطع بدعتهم ؛
وسبيلاً لدعوتهم وتعليمهم .
4. التركيز على تعظيم السنَّة ، وتعظيم اتباع الدليل ، وذِكر نماذج من الصحابة
والتابعين والأئمة الأعلام ، وخاصة من ترى أنهم يعظمونهم ويحبونهم .
5. ترك التعرض لبدعتهم مباشرة ، وترك التعرض لأئمتهم وعلمائهم الذين يتبعون قولهم
من المعاصرين .
6. الاهتمام برؤسائهم وعقلائهم الذين لهم تأثير عليهم ، وبذل الجهد معهم أكثر من
غيرهم .
7. تفقدهم بين الفينة والأخرى بالهدايا ، كالكتب ، والأشرطة ، والمطويات ، مع
الاهتمام بإكرامهم بما يتيسر لك من الطعام والشراب .
8. مشاركتهم في مناسباتهم المباحة ، والتقرب إليهم بحسن الخلق .
وهذا ليس لك وحدك ، بل هو لكل داعية يريد النجاح في مجتمع تكثر فيه البدعة ، ويقل
فيه تعظيم السنَّة واتباعها .
ولا تنس الاستعانة بالله تعالى في دعوتك ، وأن تكون مخلصاً بها ، تريد وجه الله
تعالى ، وأن تجعل نصب عينيك أن هؤلاء مرضى يحتاجون لدواء أنت تملكه ، وهم لا يعرفون
أنهم مرضى ، فكيف ستوصل لهم الدواء بحكمة ؟! .
والله أعلم