الجمع بين آيتي تبشير مريم بعيسى عليه السلام
كنت أتكلم إلى واحد من غير المسلمين حين قال أنه يوجد تعارض في القرآن ؛ نعوذ بالله. وأنا أعلم تماما أن هذا إما فساد تصور أو سوء ترجمة لمعاني القرآن. لكني لم أستطع الرد عليه بالشكل الكافي لقلة علمي. وملخص هذا التعارض الذي ادعاه ما يلي:
ذُكر في آية أن العديد من الملائكة بشرت السيدة مريم بميلاد عيسى (الآية 42 من سورة آل عمران) بينما ذكر في آية أخرى أن الذي بشرها بذلك هو ملك واحد (الآية 17 من سورة مريم)؟ فهل هم ملك واحد أم عدة ملائكة؟
رجاء إزالة هذا اللبس وتفسيره لي.
الجواب
الحمد لله.
فقد صدقت في وصفك هذا القول الذي زعم صاحبه أن القرآن متعارض أنه فساد تصور ، وهو
إما أن يكون لسوء فهم صاحبه أو لعناده ، فيبحث عن شبه يهز بها إيمان بعض المسلمين
الذين يجهلون دينهم ، ولذا فإن النصح مبذول لجميع إخواننا المسلمين : أن لا يتصدى
أحد منهم لمناقشة المبطلين قبل أن يتسلح بسلاح العلم الذي يدفع به شبههم ، وليترك
هذا الأمر لأهله من العلماء الراسخين ، وطلبة العلم المتقنين فربما وردت شبهة على
القلب الفارغ فأثرت فيه أعظم الأثر والسلامة لا يعد لها شيء .
وأما عن خصوص هذه المسألة فإنه لا تعارض بين الآيتين والحمد لله ، وقد أجاب عنها
علماء التفسير قديما إذ قال الرازي في تفسيره عند تفسير آية آل عمران : (المراد
بالملائكة ههنا جبريل وحده وهذا كقوله سبحانه : (ينزل الملائكة بالروح من أمره على
من يشاء من عباده ) يعني جبريل ) اهـ.
وهذا ليس غريبا على لغة العرب أن يطلق الجمع ويراد به واحد ، وأمثلة هذا كثيرة في
القرآن كقوله سبحانه : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران (173)
والمقصود بـ ( الناس ) الأولى : نعيم بن مسعود ، والناس الثانية المقصود به: أبو
سفيان وأصحابه وليس المقصود جميع الناس .
قال الإمام ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز : ( وعبر عن جبريل بالملائكة إذ هو
منهم فذكر اسم الجنس كما قال تعالى : (الذين قال لهم الناس )
اهـ
.
والله أعلم .