الحمد لله.
جاءت الشريعة بسد أبواب الشر والفتنة
لتحفظ على الناس دينهم وتقواهم ، ولتَسلَمَ قلوبُهم من أدران الشهوة والمعصية .
ومحادثة النساء باب من أبواب الفتنة ، قد يجر إلى ما هو أعظم .
قال ابن الجوزي رحمه الله في "ذم الهوى" (ص/582) :
"ومِن التفريط القبيح الذي جر أصعب الجنايات على النفس : محادثةُ النساء الأجانب ،
والخلوة بهن ، وقد كانت عادةً لجماعة من العرب ، يَرَون أنَّ ذلك ليس بعار ، ويثقون
من أنفسهم بالامتناع من الزنا ، ويقنعون بالنظر والمحادثة ، وتلك الأشياء تعمل في
الباطن وهم في غفلة عن ذلك ، إلى أن هلكوا ، وهذا هو الذي جنى على مجنون ليلى وغيره
، ما أخرجهم به إلى الجنون والهلاك ، وكان غلطهم من وجهين :
أحدهما : مخالفة الشرع الذي نهى عن النظر والخلوة .
والثاني : تعريض الطبع لما قد جُبل على الميل إليه ، ثم معاناة كفه عن ذلك ، فالطبع
يغلب ، فإن غَلب وقعت المعاصي ، وإن غُلب حصل التلف بمنع العطشان عن تناول الماء "
انتهى .
ومحادثة النساء الأجنبيات من السهام التي تصيب القلوب بأثرها النفاذ ، وما زال
العرب يذكرون ذلك في أشعارهم وأمثالهم ، حتى شبهه بعضهم بالسكر لما يصيب القلب من
تعمية ، ورأى فيه آخرون سحرا يُعقَد على القلوب فيُسقِمها بالأدواء والأمراض .
نقل ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (ص/397) قال :
" قال بشّار – هو ابن برد أحد الشعراء - وذكر امرأة - : " كأن حديثها سكر الشّراب "
... وقال – أيضا - : وكأنّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحراً .
وكأن رجع حديثها ... قِطَع الرّياضِ كُسين زَهرا " انتهى .
وأما الحديث مع النساء القريبات فهو أشد خطراً وأعظم شرراً ، فإن الشيطان ينصب
شباكه فيما يتساهل الناس فيه عادة ، والتجارب تثبت أن المعاصي تبدأ هناك .
والشرع لا يمنع من صلة الأقارب ، ولا يُحَرِّم السؤالَ عن أحوالهم والاطمئنانَ
عليهم ، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق والدهن أو أمهن (خالتك) .
أما الحديث معهن ، والاستكثار من الكلام ، والانتقال بين المواضيع التي لا تنتهي ،
ثم الاعتذار عن ذلك بكونها من القريبات ! وأن الأهل على اطلاع ومراقبة ! فإن ذلك من
تزيين الشيطان وكيده ومكره .
نسأل الله لنا ولك السلامة والعافية .
وقد أوصى أكثمُ بن صَيفِي - حكيم العرب في الجاهلية ، توفي وهو في طريقه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام - فقال :
" يا قوم ! أحسنوا يحسن بكم ، واسمحوا يسمح لكم ، وعفوا تعف نساؤكم ، واعلموا أن
محادثة النساء شعبة من الزنى " انتهى من . "أنساب الأشراف" للبلاذري (4/221) .
ودعا عبد الملك بمؤدب أولاده فقال :
"إني قد اخترتك لتأديب ولدي ، وجعلتك عيني عليهم وأميني ، فاجتهد في تأديبهم
ونصيحتي فيما استنصحتك فيه من أمرهم ، علِّمهم كتابَ الله عز وجل حتى يحفظوه ،
وقِفْهم على ما بَيَّن اللهُ فيه من حلال وحرام حتى يعقلوه ، وخُذْهم من الأخلاق
بأحسنها ، ومن الآداب بأجمعها ، ورَوِّهم من الشعر أعفه ، ومن الحديث أصدقه ،
وجَنِّبْهم محادثةَ النساء، ومجالسة الأظناء ، ومخالطة السفهاء ، وخَوِّفْهم بي ،
وأدبهم دوني ، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يفهموه ، فإن ازدحام الكلام في السمع
مضلة للفهم ، وأنا أسأل الله توفيقك وتسديدك " انتهى من .
"أنساب الأشراف" أحمد بن يحيى البلاذري (2/441) ونحوه في "البيان والتبيين"
للجاحظ (1/249) .
وانظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (6453)
، (59873) .
والله أعلم .