هل تأكل من مال والديها المأخوذ من حساب التوفير الربوي
أعيش مع أمي وأبي ولهم أموال في البنوك بفوائد ، وينفقون علي من هذه الأموال فما حكم هذه الأموال بالنسبة لي ؟ وما هي الحدود التي ينبغي علي اتباعها؟ وهل علي أن أبحث عن مصدر دخل آخر أم لا ؟
الجواب
الحمد لله.
لا يجوز إيداع الأموال في حساب التوفير بالبنوك الربوية ؛ لأن حقيقته أنه قرض ربوي
محرم ، وقد لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وينظر جواب السؤال (9054)
و (82669) و(72413)
.
وعلى هذا ؛ فالواجب أن تنصحي والديك بترك التعامل بالربا ، والحذر من سوء عاقبته في
الدنيا والآخرة .
وأما الأكل من مالهما ، والاستفادة منه فلا حرج عليك في ذلك ، لأن المال المأخوذ
بالربا حرام على المرابي فقط ، أما من أخذ هذا المال من المرابي بسبب مباح كأولاده
وزوجاته وغيرهم فلا حرج عليهم في ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل
يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق ؟
فأجاب : "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه
يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه
الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته ، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه
هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك ، فكل ، والإثم عليه هو .
، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون
بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت ، ولكن الله
عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى . ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي : دهن متغير
الرائحة) فأجابه وأكل ، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله ، فليأكل
والإثم على والده " انتهى من "لقاء الباب
المفتوح" (188/13) .
وسئل أيضا رحمه الله : رجل جمع أمواله من الربا وأبناؤه متحرجون من الأكل من هذا
المال، ثم إذا مات هذا الأب، هل يجوز لهم أن يرثوا هذا المال؟ وكيف يتوب هذا الرجل؟
فأجاب : "أولاً: يجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدع الربا، ثم إذا
كان هذا الربا الذي جمعه عن جهل لا يدري أنه حرام، أو عن شبهة كأن يقال: إنه حرام
ولكن لم يتيقن، فإنه حلال له أن يبقيه عنده، لقوله تعالى: ( فَمَنْ جَاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ )
البقرة/275.
أما إذا كان عالماً لكنه كان عاصياً ثم منَّ الله عليه بالتوبة والهداية فمن تمام
توبته أن يتصدق بهذا المال، تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله؛ لأنه لو تقرب به إلى
الله لم يقبل منه، لكن ينوي التخلص، إذ لا سبيل له إلى الخلاص إلا بهذا، بإنفاقه
صدقة على فقير، أو في إصلاح طرق، أو إصلاح مساجد وما أشبه ذلك.
أما بالنسبة لأولاده فلا حرج عليهم أن يأكلوا منه في حياة أبيهم ويجيبوا دعوته؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهود مع أنهم يأكلون الربا. وأما إذا ورثوه
من بعده فهو لهم حلال؛ لأنهم ورثوه بطريقة شرعية، وإن كان هو حراماً عليه ، لكن هم
كسبوه بطريق شرعي بالإرث ، وإن تبرعوا وتصدقوا به عن أبيهم فلعل الله سبحانه وتعالى
أن يجعل هذه الصدقة تمحو ما قبلها من السيئات "
"لقاء الباب المفتوح"(181/19)
.
وعلى هذا ، فلا يلزمك البحث عن مصدر دخل آخر .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .