هل يمكن أن يُعذر المرء بترك الصلاة بسبب الجهل بوجوبها ؟
إذا مات مسلم ترك الصلاة في بلد الكفر ، أو مسلم ترك الصلاة في بلد الإسلام ، ما هو أسوأ من الآخر ؟ وهل من مات في بلد الكفر عنده عذر بعد الموت لأنه عاش في بيئة غير مسلمة لا يسمع الأذان - مثلاً - ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
ترك الصلاة كفر أكبر ، يخرج التارك من ملة الإسلام بتركه لها ، وقد دلَّ على ذلك :
القرآن ، والسنَّة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم .
قال الله تبارك وتعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ
الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ
فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ )
المدثر/ 38 – 43
.
وعَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ
وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) . رواه مسلم
( 82 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"مَن مات مِن المكلفين وهو لا يصلي : فهو كافر ، لا يُغسَّل ، ولا يصلَّى عليه ،
ولا يُدفن في مقابر المسلمين ، ولا يرثه أقاربه ، بل ماله لبيت مال المسلمين في أصح
أقوال العلماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( بين الرجل
وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) أخرجه
الإمام مسلم في صحيحه ؛ ولقوله صلى
الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )
أخرجه الإمام أحمد ، وأهل السنن بإسناد صحيح ، من
حديث بريدة رضي الله عنه .
وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله تعالى : " كان أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأفعال تركه كفر إلا الصلاة " ، والأحاديث
والآثار في هذا المعنى كثيرة .
وهذا فيمن تركها كسلا ولم يجحد وجوبها ، وأما من جحد وجوبها : فهو كافر ، مرتد عن
الإسلام ، عند جميع أهل العلم" انتهى
.
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 10 / 250 )
.
ثانياً:
لا فرق بين يموت تاركاً للصلاة وهو في بلاد المسلمين ، أو وهو في بلاد الكفار ، إلا
أن إثمه قد يزيد في حال وجوده بين أظهر المسلمين ؛ لما يراه من صلاة الناس ؛ ولما
يسمعه من النداء لها في كل حين .
ثالثاً:
قد يسلم بعض الناس ويعيش في دولة كافرة ولا يدري شيئاً عن أركان الإسلام وواجباته
كالصلاة وغيرها ، وهذا يُتصور فيمن نشأ في بادية بعيدة عن العلم والمسلمين ، أو في
أدغال الغابات ونحو ذلك فهذا لا يحكم بكفره ، بل ولا إثمه ، لأنه معذور بالجهل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
لكن مِن الناس مَن يكون جاهلا ببعض هذه الأحكام جهلا يعذر به ، فلا يُحكم بكفر أحدٍ
حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة ، كما قال تعالى : ( لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) ، ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم
أن الصلاة واجبة عليه ، أو لم يعلم أن الخمر حرام : لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا
، وتحريم هذا ، بل ولم يعاقب ، حتى تبلغه الحجة النبوية .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 406 )
.
وقال ابن حزم رحمه الله :
ولا خلاف في أن امرءً لو أسلم ، ولم يعلم شرائع الإسلام ، فاعتقد أن الخمر حلال ،
وأن ليس على الإنسان صلاة ، وهو لم يبلغه حكم الله تعالى : لم يكن كافراً ، بلا
خلاف يُعتد به ، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى ، حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر .
" المحلَّى " ( 11 / 206 )
.
ويشترط في هذا الجهل أن لا يكون في قدرة صاحبه أن يدفعه بالسؤال وطلب العلم .
قال القرافي المالكي رحمه الله :
القاعدة الشرعية دلَّت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل ؛ فإن
الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله ، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ، ثم يعملوا
بها ، فالعلم والعمل بها واجبان ، فمن ترك التعلم والعمل ، وبقي جاهلا : فقد عصى
معصيتين ، لتركه واجبين .
" الفروق " ( 4 / 264 )
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
إن هذا العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته ، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة
الحق فقصر فيها : لم يكن معذوراً .
" مجموع الفتاوى " ( 20 / 280 )
.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
وأما القادر على التعلم المفرِّطُ فيه ، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي :
فهذا الذي ليس بمعذور .
" أضواء البيان " ( 7/357 )
.
وانظر جواب السؤال رقم (
10065 ) .
والله أعلم