يحب فتاة ويتساءل : لماذا يرفض المجتمع هذا الحب؟
أنا بصراحة أحب فتاة ، لم أتعرف عليها ، لكن هي قريبة لي ، كنت أجلس معها أيام صغري ، وانقطعت العلاقه بيننا عندما كبرت ، ولم أتواصل معها أبدا بعد ما كبرت ، وقصدي من الحب هو الزواج .
سؤالي : هل هذا الحب محرم ، ولماذا يرفض المجتمع هذا الحب ؟
الجواب
الحمد لله.
بداية نشكرك على مصارحتك ، ثم على حرصك على معرفة الحكم الشرعي في أمر مهم يتعلق
بكثير من الشباب إن لم يكن بأكثرهم .
" فالحب " الذي يقع بين الجنسين إذا لم تكن
أسبابه محرمة ، ويؤدي إلى نتائج محرمة ، فلا حرج فيه ، وهو شيء يجده الإنسان في
قلبه لا يستطيع دفعه .
قال ابن حزم :
" وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ، إذ القلوب بيد الله عز وجل "
انتهى . "طوق الحمامة" (ص/4).
غير أن الشريعة قيدت وضبطت أمرين مهمين يتعلقان بالحب ، وهما :
الأمر الأول : أسباب الحب ومقدماته ، فغالبا ما ينشأ الحب بسبب اختلاطٍ وتمازجٍ أو
تبادلِ نظرٍ أو حديثٍ أو مجالسةٍ بين المتحابين ، وهي أعمال داخلة تحت القدرة
والتكليف ، جاءت الشريعة بسدها وتحريمها ابتداء بين الجنسين ، فحرمت النظر والخضوع
في القول والخلوة واللمس ، وأوجبت العفة وعدم الاختلاط والحجاب والتقوى في السر
والعلن ، فمن تجاوز حدود الله في هذه الأسباب أثم ، ولحقه اللوم في كل ما يستتبع
هذه التجاوزات من تعلق محرم وحب آثم .
قال ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان ، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه "
انتهى
.
وقال ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه ، كمن كان يعشق امرأته أو
جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له ، فهذا لا يلام على ذلك ، وكذلك إذا نظر
نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره ، على أن عليه مدافعته
وصرفه " انتهى
.
الأمر الثاني : النتائج والتوابع التي يمليها الحب بين المتحابين ، إذ يبدأ القلب
بالدفع نحو الاقتراب من المحبوب بكل طريقة ، وتبدأ النفس بالوسوسة لبلوغ الغاية
بالوصال مع المحبوب ، بالاتصال بالكلام أو النظر أو تبادل الهدايا والحديث العاطفي
أو الوقوع في الإثم والفاحشة ، فإذا تسلح القلب بالتقوى ، وعمرت النفس بالإيمان ،
فلم تَخُضْ في هذه المسالك ، ولم تستجب لتلك المهالك ، فقد حفظت حدود الله وشرعه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر ، فإنه يثاب على تقواه لله ، فمن المعلوم بأدلة
الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا ، وكتم ذلك فلم يتكلم به ، حتى لا
يكون في ذلك كلام محرم ، إما شكوى إلى المخلوق ، وإما إظهار فاحشة ، وإما نوع طلب
للمعشوق ، وصبر على طاعة الله وعن معصيته ، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق ، كما
يصبر المصاب عن ألم المصيبة ، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر ، ومن يتق ويصبر فإن
الله لا يضيع أجر المحسنين " انتهى
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (2/125) :
" قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها ، وكذلك هي
تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه ، لكن التواصل بين المتحابين
على غير وجه شرعي هذا هو البلاء ، وهو قطع الأعناق والظهور ، فلا يحل في هذه الحال
أن يتصل الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل ، ويقول إنه يرغب في زواجها ، بل ينبغي أن
يخبر وليها أنه يريد زواجها ، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه ، كما فعل عمر
رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، وأما أن
تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة "
انتهى
.
فالحاصل : أن المرفوض في الحب هو الأسباب والنتائج المحرمة ، ولما كان الغالب على
الخائضين في الحب في هذا الزمان أنهم لا يراعون حرمات الله ولا يتقون عذابه ،
ويستبيحون في سبيل حبهم المزعوم كل صغير وكبير ، رفض كثير من الناس هذا المعنى "
الحب " ، وأصبح مسلكا مذموما في المجتمعات المحافظة ، والحمد لله .
أما الذي وقع الحب في قلبه من غير سبب محرم منه ، ولا أدى إلى الوقوع في محرم ، فلا
يلام على ذلك ، لكن ينبغي أن يسارع في السعي نحو الزواج ، كي يحفظ دينه وعفته ولا
يعرض نفسه للفتن .
نسأل الله تعالى أن يحفظ شباب وفتيات المسلمين من كل سوء .
والله أعلم .