هل يجوز للمسلم أن يعمل في مقابر الكفار ؟
ما حكم من يعمل في مقابر النصارى ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
العمل في مقابر الكفار محرَّم لعدة أسباب :
الأول : أنها أمكنة عذاب ، وقد نهينا عن قربان تلك الأمكنة إلا باكين ، ونهينا عن
الشرب من مائها .
قال القرطبي – رحمه الله – في شرح قوله تعالى ( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ
الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ) الحِجْر/ 80
- :
روى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحِجر – ديار
ثمود - في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها ، فقالوا : قد
عجنَّا ، واستقينا ،
فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا الماء ، وأن يطرحوا ذلك العجين .
وفي الصحيح عن ابن عمر أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر
أرض ثمود ، فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي
تردها الناقة .
وروى أيضا عن ابن عمر قال : مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجر فقال
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، إلا أن
تكونوا باكين ؛ حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، ثم زجر فأسرع .
قلت : ففي هذه الآية التي بيَّن الشارع حكمها وأوضح أمرها ثمان مسائل ، استنبطها
العلماء واختَلف في بعضها الفقهاء ، فأولها : كراهة دخول تلك المواضع ، وعليها حمل
بعض العلماء دخول مقابر الكفار ، فإن دخل الإنسان شيئاً من تلك المواضع والمقابر :
فعلى الصفة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتبار ، والخوف ،
والإسراع .
" تفسير القرطبي " ( 10 / 46 ) .
الثاني : أن عمل المسلم في مقابر الكفار لن يخلو تنظيفها وترتيبها وتجميلها ، وهي
تحوي منكرات واضحة ، كالصلبان التي توضع فوق كثير من قبورهم ، وقد أُمر المسلم بنقض
الصلبان لا بتعظيمها ورعايتها وحراسها ، والعامل المسلم في تلك المقابر لا يستطيع –
بالتأكيد – أن ينقض تلك الصلبان ، فهو عاجز عن ذلك ، بل لا يجوز له هدمها لما يترتب
على ذلك من مفاسد ، لكن هذا لا يجيز له رعايتها ، وتنظيفها ، وحراستها .
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا
نَقَضَهُ . رواه البخاري ( 5608 ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
هذا الصليب تعظمه النصارى ، وتعلقه في أعناقها ، وترسمه على أبواب بيوتها ، وفي
مجالسها ، وفي كل شيء ، تعظمه بحجة أن المسيح عليه الصلاة والسلام قُتل ، وصُلب
عليه ، ونحن نرى أنه منكر عظيم ؛ لأنه شعار كفر ؛ وأنه مبني على كذب لا حقيقة له ،
والمبني على الكذب - والكذب باطل - يكون باطلاً .
فإذا كسرَ إنسانٌ صليباً : فإنه لا يضمنه ؛ لأنه لا يجوز إقراره ؛ فإن النبي صلّى
الله عليه وسلّم كان لا يدع شيئاً فيه صليب إلا نقضه ، ولكن لو أتلفه ضمن، وهل
يضمنه بقيمته صليباً أو بقيمته مكسراً؟ يضمنه بقيمته مكسراً؛ لأنه ليس له قيمة
شرعاً.
ولكن هل للإنسان أن يكسر الصلبان التي ينصبها النصارى مثلاً ؟ الجواب : لا ؛ لأنه
ليس له ولاية حتى يمكن من كسر هذه الصلبان ، ثم لو فرض أن النصراني أظهر الصليب
وأعلنه في لباسه أو غير ذلك : فهنا يجب على ولاة الأمر في البلاد الإسلامية أن
يمنعوهم من إظهار الصليب ؛ لأنه شعار كفر ، وهم يعتقدون تعظيمه ديناً يدينون لله
تعالى به.
" الشرح الممتع " ( 10 / 224 ، 225 ) .
الثالث: أن في العمل في تلك المقابر نوع إذلال للمسلم ، لا ينبغي أن يعرِّض نفسه له
.
ثانياً:
ويجوز للمسلم أن يدفن الكافر ، لكن بشرط أن لا يوجد أحد من غير المسلمين من يفعل
ذلك ، ومثل ذلك يكون طارئاً ، لا أن يعمل المسلم به بانتظام .
قال علماء اللجنة الدائمة :
إذا وُجد من الكفار مَن يقوم بدفن موتاهم : فليس للمسلمين أن يتولوا دفنهم ، ولا أن
يشاركوا الكفار ، ويعاونوهم في دفنهم ، أو يجاملوهم في تشييع جنائزهم عملا
بالتقاليد السياسية ؛ فإن ذلك لم يُعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن
الخلفاء الراشدين ، بل نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم على قبر عبد الله
بن أبي بن سلول ، وعلَّل ذلك بكفره ، قال تعالى : ( وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ )
التوبة/ 84 ، وأما إذا لم يوجد
منهم مَن يدفنه : دفنه المسلمون ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه
وسلم بقتلى بدر ، وبعمِّه أبي طالب لما توفي ، قال لعلي : ( اذهب فواره ) –
رواه أبو داود ( 3214 ) والنسائي ( 190 ) وصححه
الألباني في " سنن أبي داود - .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 11 ) .
والله أعلم