تنصحهن فيذكرن لها ماضيها السيئ
أنا فتاة أرتدي الحجاب والحمد لله ، وأحفظ سوراً من القرآن الكريم وملتزمة بدين الله تعالى ، قبل أن أرتدي الحجاب كنت أرتدي ملابساً ضيقة وأضع على شعري تسريحة وبعض الصبغة ولا أصلي ، وممكن أتكلم مع شاب في الطريق ، ولا أهتم لكلام الناس ، وبعد أن هداني الله سبحانه وتعالى تغير كل شيء ، وندمت علي كل ما كنت أفعله .
ما أعاني منه الآن : هو أني حين أتحدث إلى فتاة بخصوص الصلاة أو الحجاب أو أعطيها كتاباً يقولون عني : هذه التي تقول هذا الكلام ! هل نسيت ما كانت تفعلي ؟ ويقذفنني في عرضي ، ويقولن عني أسوأ الأشياء والله سبحانه وتعالى يعلم أني بريئة مما ينسب إليَّ ، ماذا أفعل ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
نحب أن نهنئكِ أيتها السائلة على التوبة والرجوع إلى الله عز وجل ، فمن نعمة الله
على عبده أن يوفقه للتوبة ، ويدله عليها ، فكم هم الذين باقون على المعاصي والذنوب
، ولم يوفقوا للتوبة ، فأنتِ في نعمة ، فاشكري الله على تلك النعمة ، واسأليه
المزيد في ذلك .
ثانياً :
الواجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؛ وذلك لأنه من أسمى الوظائف
الإسلامية ، بل هو أشرفها وأعلاها ، وهو وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام ، كما
قال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )
النساء/165 .
وقد جعل الله الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس ؛ لقيامها بهذه الوظيفة العظيمة
، كما قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل
عمران/110 .
فالواجب عليكِ هو الاستمرار في نصح ودعوة من علمت أنه على خطأ ، ولا تلتفتي إلى
كلام المغرضين والمثبطين لكِ ، بل اصبري واحتسبي الأجر عند الله ، واعلمي أن ما
أنتِ عليه هو نوع من أنواع الجهاد ، مطلوب فيه تحمل المشاق ، والصبر على الأذى فيه
، كما قال لقمان لابنه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ ) لقمان/17 .
ثالثاً :
ما ذكرتيه من أن بعض من تقومين بنصحه يذكركِ بماضيكِ ، فهذا منه نوع من الجهل ؛
وذلك لأنه كيف يلام شخص على ذنب قد تاب منه وأقلع عنه ! وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم : (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن
ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وإذا كان الله جل وعلا يتوب على من تاب من الشرك ، فكيف بمن تاب مما هو دون الشرك
من المعاصي والكبائر .
وأيضاً : إذا قيل إنه لا يدعو ولا ينصح من كان له ذنوب ومعاصٍ في السابق ، فإنه لن
يدعو أحد ، ولن ينصح أحد ؛ لأنه ليس أحد معصوماً من الذنوب ، إلا من عصمه الله ،
فهؤلاء الصحابة منهم من كان في جاهليته شارباً للخمر قاطعاً للرحم ... وأعظم من ذلك
الشرك بالله ، ولا يشك عاقل في جلالة قدرهم وعلو مكانتهم ، وأنهم خير هذه الأمة بعد
نبيها صلى الله عليه وسلم ، فهم لم يتركوا الدعوة بحجة أنهم فعلوا كذا وكذا في
الماضي ، بل قاموا بالدعوة خير قيام ، رضي الله عنهم ورضاهم .
والعبرة بكمال النهاية ، لا بنقصان البداية ، فالعبرة بما انتهى إليه أمر الإنسان ،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ)
البخاري (6607) .
والذي يظهر لنا -والله أعلم- أنهم يقولون ذلك فقط من أجل الجدال ، وهم يخدعون
أنفسهم بأن لهم سبباً يردون من أجله الحق الذي تأمرينهم به ، ولو أنصف هؤلاء
لتفكروا فيما تأمرينهم به هل هو حق فيقبل ؟ أو باطل فيرد ؟
بقطع النظر عمن أمر به ، فإن الحق يقبل لأجل كونه حقاً ، لا من أجل من تكلم به .
وقد يكون ماضيك سبباً لقبول كلامك ، وقوة حجتك ، لأنك إنما تأمرينهم بما تأمرينهم
به وقد جَرَّبت الخير والشر ، والحلو والمر ، فأنت تأمرينهم بالحق بعد علم ويقين
وتجربة ، وليس من جَرّب كمن سمع فقط .
وقديماً قال بعض التائبين : "من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي" !
فاستمري في أمرهم ونصحهم ، واحتسبي ما تجدينه من مشقة واستهزاء ، نسأل الله تعالى
لك مزيداً من التوفيق والحرص على هداية الخلق .
والله أعلم