حديث ( تسبيح التمر في بطن من أكله ) لا أصل له
ما صحة هذا حديث الذي في معناه : أنه مَن تَصَبَّحَ بسبع تمرات سبَّحْنَ في بطنه طول اليوم ؟
الجواب
الحمد لله.
أبواب الأطعمة من أكثر الأبواب التي كُذِبت فيها الأحاديث ، واختُلِقت فيها الآثار
، فقد عمد الكذابون إلى أشياء من حِكم الطب وتجارب العلاج فصيروها أحاديث مرفوعة ،
كما استغل بعضهم شهرة بعض الأطعمة ليضع في الترغيب فيها أقوالا سمجة تدل على جهل
واضعها ، بل هناك مِن الكذابين مِن التجار مَن وضع أحاديث للترويج لبعض الأطعمة
التي يبيعها ، فنصبوا بذلك أنفسهم خصوما للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ،
ومن كان خصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خاب وخسر وتبوأ مقعده من النار .
والتمر واحد من أنواع الطعام التي كثرت فيها الأحاديث المكذوبة ، حتى وضع أحدهم
حديثا فيه أن التمر يقرب إلى الله ويباعد من النار ، وعقد ابن الجوزي في كتابه "
الموضوعات " أبوابا كثيرة في هذا الموضوع (3/22-28) ، منها باب خاص في أكل التمر
على الريق ، فقد اشتهر بين الأطباء قديما أن التمر على الريق يقتل الدود ، فنسب
بعضهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذبا وزورا .
ولم نقف – بعد البحث الطويل – على حديث مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يدل على تسبيح التمر في بطن ابن آدم ، وإن كان كل شيء يسبح بحمده سبحانه ، كما قال
عز وجل : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) الإسراء/44
ولكن لم يرد – حسب علمنا - في خصوص فضيلة سبع تمرات على الريق هذا الشيء ، ولعل
أقرب لفظ لهذا المعنى ما تذكره بعض الكتب هكذا معلقا من غير إسناد أن النبي صلى
الله عليه وسلم يقول : ( عَلَيْكُمْ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ فَكُلُوهُ فَإِنَّهُ
يُسَبِّحُ فِي شَجَرِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لِآكِلِهِ ) ولكن لم نقف على سند لهذا
الحديث ، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والكتب التي تذكره هي من
مظان الحديث الضعيف والمكذوب ، ككتاب " عرائس المجالس في قصص الأنبياء " لمؤلفه أبو
إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي أو الثعالبي المتوفى سنة (427هـ)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (7/5) :
" أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات ، ولهذا
يقولون هو كحاطب ليل ، مع أن الثعلبي فيه خير ودين ، لكنه لا خبرة له بالصحيح من
الأحاديث زيادة ، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال " انتهى باختصار .
وأما الصحيح في هذا الباب فأشهره حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال :
( مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً ، لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ
سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ )
رواه البخاري (5769) ومسلم (2047)
والله أعلم .