هل ذكرت أم المؤمنين صفية بنت حيي في قصة الشاة المسمومة التي أهديت إلى النبي صلى لله عليه وسلم في خيبر ؟
هل للسيدة صفية أم المؤمنين دخل من قريب أو بعيد فى سم الشاة التي قدمت إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب
الحمد لله.
قصة الشاة المسمومة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم في خيبر ثابتة في السيرة
الصحيحة ، وقد جاءت في سياقات متعددة ، أشهرها سياقان اثنان :
الأول : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ
النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِىءَ
بِهَا ، فَقِيلَ : أَلاَ نَقْتُلُهَا ؟ قَالَ : لاَ . فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِى
لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم .
رواه البخاري (2617) ومسلم (2190) كلاهما من طريق خالد بن الحارث ، حدثنا
شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس به . يقول النووي: ( لهوات ) : جمع لهاة ، هي
اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك ، كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره .
والثاني : رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه (رقم/3169) : عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ :
( لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ
فِيهَا سُمٌّ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : اجْمَعُوا إِلَىَّ مَنْ
كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ . فَجُمِعُوا لَهُ : فَقَالَ : إِنِّى سَائِلُكُمْ
عَنْ شَىْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْهُ . فَقَالُوا : نَعَمْ . قَالَ
لَهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَبُوكُمْ ؟ قَالُوا : فُلاَنٌ .
فَقَالَ : كَذَبْتُمْ ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ . قَالُوا : صَدَقْتَ . قَالَ :
فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ . فَقَالُوا : نَعَمْ
يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى
أَبِينَا .
فَقَالَ لَهُمْ : مَنْ أَهْلُ النَّارِ . قَالُوا : نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ
تَخْلُفُونَا فِيهَا . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : اخْسَئُوا فِيهَا ،
وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا . ثُمَّ قَالَ : هَلْ أَنْتُمْ
صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا
الْقَاسِمِ . قَالَ : هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا . قَالُوا :
نَعَمْ . قَالَ : مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالُوا : أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ
كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ )
وليس في هاتين الروايتين – كما ترى – أي ذكر لأم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله
عنها.
وإنما ورد ذكرها في سياق آخر يرويه ابن شهاب الزهري فيقول :
( لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، وقتل من قتل منهم ، أهدت زينب بنت
الحارث اليهودية - وهي ابنة أخي مرحب - لصفية شاة مصليَّةً وسمَّتها وأكثرت في
الكتف والذراع ؛ لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني
سلمة ، فقدمت إليهم الشاة المصلية ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف
وانتهش منها ، وتناول بشر بن البراء عظما فانتهش منه ، فلما استرط رسول الله صلى
الله عليه وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ارفعوا أيديكم ، فإن كتف هذه الشاة يخبرني أن قد بُغِيتُ فيها . فقال
بشر بن البراء : والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت ، فما منعني أن
ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك ، فلما أسغت ما في فيك ، لم أكن أرغب بنفسي عن
نفسك ، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها بغي . فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه
مثل الطيلسان ، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلى ما حول )
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (4/360) قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرنا أبو جعفر البغدادي ، قال : حدثنا أبو
علاثة ، قال : حدثنا أبي قال : حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا أبو الأسود ، عن عروة
بن الزبير .
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، قال : أخبرنا أبو بكر بن عتاب ، قال : حدثنا القاسم
الجوهري ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن عمه
موسى بن عقبة .
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد
الشعراني ، قال : حدثنا جدي ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، قال : حدثنا
محمد بن فليح ، قال : حدثنا موسى بن عقبة
- وهذا الإسناد مرسل ، فالزهري من أئمة التابعين ، توفي سنة (125هـ) ، ولا يُدرى
عمن يروي القصة بهذا السياق ، وهو كثير الإرسال ، وقد استضعف العلماء مراسيله حتى
كان يحيى بن سعيد القطان لا يعدها شيئا .
- ثم إن في الطريق إلى الزهري بعض الضعفاء كابن لهيعة ، ومحمد بن فليح ، واسماعيل
بن أبي أويس ، وكلهم في تراجمهم من الطعن والتضعيف ما يوجب الشك والتردد .
- ومما يدل على عدم الوثوق بالتفاصيل المذكورة هنا أيضا الاختلاف الواقع في مرويات
الزهري لهذه القصة ، مما يغلب على الظن أن الوهم فيها من شيوخ الزهري الذين أخذها
عنهم وطوى ذكرهم ، ويمكن مراجعة جميع روايات الزهري في هذا الأمر في كتاب
"مرويات الإمام الزهري في المغازي" للدكتور محمد العواجي (2/636-646)
وعلى كل حال ، فلو ثبت هذا السياق فمعناه أن المرأة اليهودية أهدت الشاة المسمومة
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأكل منها في بيت أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله
عنها ، ولو كان لها رضي الله عنها علم بما فعلته تلك المرأة لجاء الوحي بذلك إلى
النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءه بخبر السم الموجود في كتف الشاة ، ولكنها رضي
الله عنها كانت راغبة في الإسلام ، مقبلة على الدين الجديد ، مستبشرة بزواج النبي
صلى الله عليه وسلم منها ، وفي سيرتها من كتب التراجم ما يدل على عظيم غبطتها بزواج
النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد إسلامها مباشرة ، يمكن مراجعتها في
"الإصابة" لابن حجر (7/739)
وتأمل معي ، أخي السائل ، ذلك المقام العالي ، الذي أنزلها فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وتعلم منه أدب الذبّ عن أهل بيت رسول الله وحريمه ، ومن تكون صفيّة
الحسيبة النسيبة :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ : إِنِّي ابْنَةُ
يَهُودِيٍّ ، فَبَكَتْ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ : مَا شَأْنُكِ ؟ فَقَالَتْ : قَالَتْ لِي
حَفْصَةُ إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : إِنَّكِ ابْنَةُ نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ
نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ يَا حَفْصَةُ )
رواه أحمد (11984) والترمذي (3894) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم .