حكم الشرب بكلتا اليدين
ما حكم الشرب باليدين معا؟؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
جاء الأمر صريحاً بالشرب باليد اليمنى ، والنهي عن الشرب باليد اليسرى .
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ ، وَإِذَا
شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ،
وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ) . رواه مسلم ( 2020 ) .
وعَنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ
يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ ) . رواه مسلم ( 2019 ) .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
وفي حديث جابر النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها ، ومعلوم أن الأمر بالشيء نهي عن
ضده ، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها ،
فمن أكل بشماله أو شرب بشماله ، وهو عالم بالنهي ، ولا عذر له ، ولا علة تمنعه :
فقد عصى الله ورسوله ، ومن عصى الله ورسوله : فقد غوى .
" الاستذكار " ( 8 / 341 ، 342 ) .
ثانياً:
الشرب بكلتا اليدين لا هو شرب باليمين وحدها فيكون موافقاً للشرع ، ولا هو شرب
بالشمال وحدها فيكون مخالفاً للشرع ، وهل هو جائز ؟ وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه فعله ؟ .
الذي يظهر لنا أنه جائز إن احتاج المسلم إلى أن يشرب بكلتا يديه ، وقد ثبتت أحاديث
في السنَّة النبوية ليس فيها التصريح بالشرب بكلتا اليدين ، لكن يظهر لنا أنه لم
يكن الأمر إلا كذلك ، وذلك من مثل ما ثبت أنه شرب من " إناء " ، ومن " قِربة " ،
ومن " دلو " ؛ إذ الغالب في هذه أنه تُستعمل كلتا اليدين في حملها من أجل الشرب .
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه إناء لبن وأمره أن
يسقي أهل الصفة ، قال أبو هريرة : (فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُنَاوِلُهُ
الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّهُ فَأُنَاوِلُهُ الْآخَرَ
حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وَقَدْ رَوَى الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْهِ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ
فَتَبَسَّمَ فَقَالَ : أَبَا هُرَيْرَةَ ، اشْرَبْ ، فَشَرِبْتُ ، ثُمَّ قَالَ :
اشْرَبْ ، فَلَمْ أَزَلْ أَشْرَبُ وَيَقُولُ : اشْرَبْ حَتَّى قُلْتُ : وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَحَمِدَ
اللَّهَ وَسَمَّى ثُمَّ شَرِبَ) . رواه الترمذي ( 2477 ) وصححه ، وصححه
الألباني .
فقوله ( فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ
فَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْهِ ) : يدل على أن الإناء كان كبيراً فاحتاج لكلتا اليدين
لأن يوضع فيهما ، ويُفهم منه : جواز استعمالهما للشرب منه .
2. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ . رواه
البخاري ( 1556 ) ومسلم ( 2027 ) .
ويقال فيه ما قيل في الإناء ، وإذا كان في الآنية ما هو صغير ويحمل بيد واحدة :
فإنه لا يقال ذلك – غالباً – في " الدلو " ، فالذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم حمل
الدلو بكلتا يديه ، وشرب منه .
3. عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر عَنْ جَدَّته كَبْشَة قَالَتْ : (دَخَلَ
عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْت قِرْبَة
مُعَلَّقَة فَشَرِبَ قَائِمًا فَقُمْت إِلَى فِيهَا فَقَطَعْته) . رواه
الترمذي(1892 ) وصححه ، وابن ماجه (
3423 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
4- وقد جاء في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم همَّ أن يشرب بيديه ، وهو
تفسير " الكِراع " الذي جاء في الحديث عند بعض العلماء .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ
صَاحِبٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ
كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ ، وَإِلَّا كَرَعْنَا ،
قَالَ : وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ ، قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ فَانْطَلِقْ إِلَى الْعَرِيشِ ، قَالَ
: فَانْطَلَقَ بِهِمَا ، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ
لَهُ ، قَالَ : فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ . رواه البخاري ( 5290 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"قوله ( وإلا كرعنا ) فيه حذف تقديره : فاسقِنا وإن لم يكن عندك كرعنا ، ووقع في
رواية ابن ماجه التصريح بطلب السقي ، والكرع : تناول الماء بالفم من غير إناء ، ولا
كف ، وقال ابن التين : حكى أبو عبد الملك أنه الشرب باليدين معا ، قال : وأهل اللغة
على خلافه ، قلت : ويرده ما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر قال : مررنا على بركة فجعلنا
نكرع فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تكرعوا ، ولكن اغسلوا أيديكم
ثم اشربوا بها ) الحديث ، ولكن في سنده ضعف ، فإن كان محفوظاً : فالنهي فيه للتنزيه
، والفعل لبيان الجواز ، أو قصة جابر قبل النهي ، أو النهي في غير حال الضرورة .
" فتح الباري " ( 10 / 77 ) .
وقال الشيخ ابن باز - في شرحه لحديث جابر - :
شوب اللبن بالماء لا بأس به ، وفيه إعطاء من على يمينك وإن كان مفضولاً ، إلا أن
يسمح من على يمينك فتناوله يسارك ، وفيه جواز الكرع إذا دعت الحاجة إليه ، وهو
الشرب بالفم ، وإن تيسر بالإناء ، أو بالكفين فهو أولى حتى لا يشابه البهائم .
" الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري " ( 4 / 143 ) .
ثالثاً:
قد جاء في كلام العلماء ما يدل على جواز الشرب بكلتا اليدين ، ومن ذلك :
1. قال النووي رحمه الله :
قال أصحابنا : لو شرب بكفيه وفي أصبعه خاتم فضة : لم يكره .
" المجموع " ( 1 / 316 ) .
2. وفي سياق تفسير قوله تعالى : ( إِلاَّ مَن اغْتَرَفَ غُرْفةً بِيَدِه ) قال
القرطبي رحمه الله :
وقال بعض المفسرين : الغَرْفة بالكفِّ الواحد والغُرْفة بالكفَّيْن .
وقال بعضهم : كلاهما لغتان بمعنى واحد .
وقال عليّ رضي الله عنه : الأكُفّ أنْظَفُ الآنية .
ومن أراد الحلال الصرف في هذه الأزمان ، دون شبهة ولا امتراء ولا ارتياب : فليشرب
بكفيه الماء من العيون والأنهار المسخرة بالجريان آناء الليل وآناء النهار.
" تفسير القرطبي " ( 3 / 253 ، 254 ) .
والخلاصة :
جواز الشرب بكلتا اليدين ، ولا يدخل هذا الفعل في النهي عن الشرب بالشمال ،
والشيطان إنما يشرب بشماله لا بكلتا يديه ، وقد يتعين الشرب باليدين ولا بد في
حالات : كأن يكون الإناء كبيراً ، أو يكون الشرب من فخارة ، أو من دلو ، أو مع ضعف
اليد اليمنى ، وما يشبه ذلك من حالات .
والله أعلم