الحمد لله.
أولاً:
ما ذُكر في السؤال ليس من باب " الكهانة " و " العرافة " ، ومن المعلوم أن الغيب
المطلق لا يعلمه إلا الله ، وكل من يعلم ما قد يحدث في المستقبل فإما أن يتلقى ذلك
من عالم الغيب والشهادة ، فيصدق ، ويحصل ما أخبر عنه ، وإما أن يتلقى ذلك من
الشياطين ، فيكذب ، ولا يحدث ما أخبر عنه .
ويتوصل بعض المشعوذين لقلوب وعقول العامة ممن يصدقهم بطرق ، منها زعمه أنه يعرف
المستقبل بالنظر في النجوم ، أو بالخط بالرمل ، أو بقراءة الكف ، أو من خلال فنجان
القهوة ! وغير ذلك من الطرق ، والتي تتجدد بتجدد الزمان .
وقراءة الكف التي ذكرها العلماء فيما ذكروا من طرق العرَّافين الكهَّان ليست هي ما
ذُكر في السؤال ، بل هي أن يأتي العراف أو الكاهن إلى رجل – أو امرأة – فينظر في
كفه – أو كفها – فيخبره بما يحدث معه مستقبلاً ! وهذا من الكذب على الله ، ومن ذهب
لهذا الكاهن أو العراف فهو متوعد بحرمان أجر الصلاة أربعين يوماً إن ذهب لمجرد
التسلية ، أو لفضول النظر والمشاهدة ، أما إن اعتقد أن هذا الكاهن يعلم الغيب فعلاً
: فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ومما أُنزل على محمَّد صلى الله
عليه وسلم : قوله تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) النمل/ 65 ، وإذا كانت هذه حال السائل فكيف المسئول ؟!
.
ويُنظر تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة : (
8291 ) و (
32863 ) و (
45569 ) و (
12578 ) .
ثانياً:
أما ما ذُكر في السؤال فهو ذِكر صفات وأخلاق لمن كانت كفه على صفة معيَّنة ، وهذا
أمر قديم معروف ، وهو مذكور في أقسام الفراسة ، وهي " الاستدلال بالخَلْق على
الخُلُق " ، فيقولون : طويل القامة فيه صفة كذا ، وقصيرها فيه صفة كذا ، ومن كان
طويل الرقبة فهو يدل على كذا ، وهكذا ، فهم يتوصلون لمعرفة خُلق الإنسان بمعرفة
خِلقته ، وهذه مواهب يهبها الله تعالى لبعض خَلقه ، كما قال ذلك الأعرابي : " أنا
إذا رأيت الرجل من قفاه عرفت خُلُقه " ، فقيل له : فكيف إذا رأيتَ وجهه ؟ قال : ذاك
كتاب أقرأه ! .
قال ابن القيم رحمه الله :
"الفراسة الثالثة : الفراسة الخَلْقية ، وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم ،
واستدلوا بالخَلْق على الخُلُق ؛ لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله ،
كالاستدلال بصغَر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل ، وبكبَره ، وبسعة الصدر ،
وبُعد ما بين جانبيه : على سعة خُلُق صاحبه ، واحتماله ، وبسطته ، وبضيقه على ضيقه
، وبخمود العين ، وكلال نظرها : على بلادة صاحبها ، وضعف حرارة قلبه ، وبشدة بياضها
مع إشرابه بحمرة - وهو الشكل - : على شجاعته ، وإقدامه ، وفطنته ، وبتدويرها مع
حمرتها وكثرة تقلبها : على خيانته ، ومكره ، وخداعه .
ومعظم تعلق الفراسة بالعين ؛ فإنها مرآة القلب ، وعنوان ما فيه ، ثم باللسان ؛ فإنه
رسوله ، وترجمانه .
وبالاستدلال بزرقتها مع شقرة صاحبها على رداءته ، وبالوحشة التي ترى عليها : على
سوء داخله ، وفساد طويته ، وكالاستدلال بإفراط الشعر في السبوطة : على البلادة ،
وبإفراطه في الجعودة : على الشر ، وباعتداله : على اعتدال صاحبه .
وأصل هذه الفراسة : أن اعتدال الخلقة والصورة : هو من اعتدال المزاج والروح ، وعن
اعتدالها يكون اعتدال الأخلاق ، والأفعال ، وبحسب انحراف الخلقة والصورة عن
الاعتدال : يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال ، هذا إذا خليت النفس وطبيعتها" انتهى
.
" مدارج السالكين " ( 2 / 487 ، 488 ) .
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه " كتاب الحمقى والمغفلين " أن " صفات الأحمق
تنقسم إلى قسمين : أحدهما من حيث الصورة ، والثاني من حيث الخصال والأفعال .
ومن صفات الأحمق : صغر الأذن ، ويُعرف الأحمق بمشيه ، وتردده ، وكلام الأحمق أقوى
الأدلة على حمقه " انتهى .
وهذه قد تخطئ ، وقد تصيب ، وهي مشتركة بين المسلم والكافر ، وهي نفسها الواردة في
السؤال .
ثالثاً:
ما ذُكر في السؤال ليس علماً يُرجع إليه ، وليس أمراً قطعيّاً حتى لا يكون قابلاً
للنقاش ، ويمكننا نقضه بما يلي :
1. من المعلوم أن الله تعالى قد بعث المرسلين لهداية الناس ، وإنقاذهم من الشرك ،
كما أرسلوا لدلالة الناس على الأخلاق الحميدة ، وتخليص النفوس من شرها ، وقد استجاب
كثيرون ، ولا يزال يستجيب كثيرون لما تدلهم عليه أحكام شرعنا المطهَّر ، وهؤلاء –
لا شك – تختلف أحوال صفات أكفهم ، فماذا تنفع تلك الأحوال المذكورة في السؤال مع ما
نراه من تغير أحوال أصحابها ؛ لاستجابتهم لشرع الله ، أو لمعاشرتهم لأهل فضل وخير
يغيِّرون لهم من أخلاقهم ؟! .
قال ابن القيم رحمه الله وهو تتمة للكلام السابق المنقول عنه - :
"ولكن صاحب الصورة والخِلقة المعتدلة ، يكتسب بالمقارنة والمعاشرة أخلاق من يقارنه
ويعاشره ، ولو أنه من الحيوان البهيم ، فيصير من أخبث الناس أخلاقاً وأفعالاً ،
وتعود له تلك طباعاً ، ويتعذر - أو يتعسر - عليه الانتقال عنها .
وكذلك صاحب الخِلقة والصورة المنحرفة عن الاعتدال ، يكتسب بصحبة الكاملين - بخلطتهم
- أخلاقاً وأفعالا شريفة ، تصير له كالطبيعة ؛ فإن العوائد ، والمزاولات تعطي
الملكات والأخلاق .
فليتأمل هذا الموضع ، ولا يعجل بالقضاء بالفراسة دونه ؛ فإن القاضي حينئذ يكون خطؤه
كثيراً ؛ فإن هذه العلامات أسباب لا موجبة ، وقد تتخلف عنها أحكامها ، لفوات شرط ،
أو لوجود مانع" انتهى .
" مدارج السالكين " ( 2 / 488 ) .
2. ماذا لو كانت اليد الواحدة لها أكثر من صفة ؟! فقد تكون اليد كبيرة وقاسية ، وقد
تكون صغيرة ولينة ، بل قد تكون للكف الواحدة ثلاث صفات ، فكيف سيكون الحكم على
صاحبها ، وخاصة إن كان هناك تباين أو تضاد في صفاتها ؟! .
3. من المعلوم أن أصحاب هذه الصفات للأيدي قد يكونون صغاراً في سنهم وقد يكونون
كباراً ، وقد يكونون ذكوراً ، وقد يكونون إناثاً ، وقد يكونون سليمي الأعضاء ، وقد
يكونون من المعوَّقين ، فكيف ستكون لهم كلهم تلك الصفات يشتركون فيها ، مع تباين
أحوالهم ، وأعمارهم ؟! .
والخلاصة :
أن ما ذُكر في السؤال له أصل من كلام العرب ، وليس هو من العلوم الحديثة ، ولا
القطعية ، ولا ينبغي الجزم بصحة ما فيه .
والله أعلم