دخل بزوجته فوجدها ثيباً
لقد تزوجتُ على أساس أنها بكر ، فدخلتُ بها ووجدتها ثيباً ، فطلقتُها ، وأخذت منهم المهر الذي أعطيتهم إياه ، مع العلم أنها أقرَّت في تلك الليلة أن أباها وأمها يعلمون هذا ، ويريدون أن يدلسوا عليَّ لعله لن ينتبه لذلك ، وأقرت بأن زوج خالتها هو الذي فعل بها تلك الفعلة الشنيعة ، وهو الذي توسط لنا بينهم . هل عليَّ شيء في هذا ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
لا شك أن فاحشة الزنا من أعظم الفواحش التي جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير منها ،
وقد شرع الله تعالى أحكاماً كثيرة ليُحال دون الوصول إلى تلك الفاحشة ، فحرَّم
النظر إلى الأجنبيات ، ومسهن ، والخلوة بهن ، وحرَّم سفر المرأة وحدها ، وغير ذلك
مما يقطع الطريق على الشيطان أن يزيِّن تلك الفاحشة لأحدٍ من المسلمين ، ثم شرع
الله تعالى حدوداً عظيمة بحق مرتكب هذه الفاحشة ، فشرع الجلد مائة جلدة للزاني
والزانية غير المحصنين ، وشرع الرجم بالحجارة حتى الموت لمن أُحصن منهما .
ثانياً :
أما بخصوص كتمان الزوجة وأهلها لذهاب بكارتها : فهو غير مخالف للشرع ؛ لأن الله
تعالى يحب السِّتر ، ويجازي خيراً عليه ، ولا يلزم الزوجة أن تخبر زوجها بذهاب
بكارتها إن كانت قد فقدتها بوثبة أو حيضة شديدة أو بزنا تابت منه .
وهذه بعض فتاوى لعلماء اللجنة الدائمة ، والشيخ ابن باز رحمه الله في هذه المسألة :
1. سئل علماء اللجنة الدائمة :
مسلمة تعرضت لحادثة في الصغر فقد منها غشاء البكارة ، وقد تم عقد زواجها ، ولم يتم
البناء بعد ، وحالة أخرى تعرضت لنفس الحادث ، والآن يتقدم لها إخوة ملتزمون للخطبة
والزواج ، وهما في حيرة من أمرهما ، أيهما أفضل : المتزوجة تخبر زوجها قبل البناء ،
أو تكتم هذا الخبر ، والتي لم تتزوج بعد هل تستر هذا الأمر خشية أن ينتشر عنها ويظن
بها سوء ، وهذا كان في الصغر ، وكانت غير مكلفة ، أم هذا يعتبر من الغش والخيانة ،
هل تخبر من تقدم إليها أم لا لأجل العقد ؟ .
فأجابوا :
لا مانع شرعا من الكتمان ، ثم إذا سألها بعد الدخول أخبرته بالحقيقة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 19 / 5 ) .
2. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
فإذا ادَّعت أنَّها زالت البكارة في أمر غير الفاحشة : فلا حرج عليه ، أو بالفاحشة
ولكنها ذكرت له أنها مغصوبة ومكرهة : فإن هذا لا يضره أيضاً ، إذا كانت قد مضى
عليها حيضة بعد الحادث ، أو ذكرت أنها تابت وندمت ، وأن هذا فعلته في حال سفهها
وجهلها ثم تابت وندمت : فإنه لا يضره ، ولا ينبغي أن يشيع ذلك ، بل ينبغي أن يستر
عليها ، فإن غلب على ظنه صدقها واستقامتها : أبقاها ، وإلا طلقها مع الستر ، وعدم
إظهار ما يسبب الفتنة والشرّ .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 20 / 286 ، 287 ) .
ثالثاً :
إذا اشترط الزوج أن تكون الزوجة بكراً وبانت بخلاف ذلك فله الحق في فسخ العقد ، فإن
كان ذلك قبل الدخول فلا شيء لها من المهر ، وإن كان بعد الدخول ، فإن كانت هي التي
خدعته ردَّت إليه المهر ، وإن كان الذي خدعه هو وليها أو غيره دفع المهر للزوج .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
لو شرط أحد الزوجين في الآخر صفةً مقصودة ، كالمال ، والجمال ، والبكارة ، ونحو ذلك
: صح ذلك ، وملك المشترِط الفسخ عند فواته في أصح الروايتين عن أحمد ، وأصح وجهي
الشافعي ، وظاهر مذهب مالك ، والرواية الأخرى : لا يملك الفسخ إلا في شرط الحرية
والدِّين .
" مجموع الفتاوى " ( 29 / 175 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
إذا اشترط السلامة ، أو شرط الجمال : فبانت شوهاء ، أو شرطها شابة حديثة السن :
فبانت عجوزاً شمطاء ، أو شرطها بيضاء : فبانت سوداء ، أو بكراً : فبانت ثيِّباً :
فله الفسخ في ذلك كله .
فإن كان قبل الدخول : فلا مهر لها ، وإن كان بعده : فلها المهر ، وهو غُرم على
وليِّها إن كان غرَّه ، وإن كانت هي الغارَّة سقط مهرها ، أو رجع عليها به إن كانت
قبضته ، ونص على هذا أحمد في إحدى الروايتين عنه ، وهو أقيسهما ، وأولاهما بأصوله
فيما إذا كان الزوج هو المشترِط .
" زاد المعاد " ( 5 / 184 ، 185 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
إذا زالت بكارة المرأة بوطء مشروع أو غير مشروع ، فما الحكم الشرعي إذا عَقَدَ رجلٌ
عليها في حالتين :
الحالة الأولى : إذا اشترط البكارة .
والحالة الثانية : إذا لم يشترط البكارة ، فهل له حق الفسخ أم لا ؟ .
فأجاب :
المعروف عند الفقهاء : أن الإنسان إذا تزوج امرأة على أنها بكر ، ولم يشترط أن تكون
بكراً : فإنه لا خيار له ؛ وذلك لأن البكارة قد تزول بعبث المرأة بنفسها ، أو بقفزة
قوية تُمَزِّق البكارة ، أو بإكراه على زنا ، فما دام هذا الاحتمال وارداً : فإنه
لا فسخ للرجل إذا وجدها غير بكر .
أما إذا اشترط أن تكون بكراً : فإن وجدها غير بكر : فله الخيار .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 67 / السؤال رقم 13 ) .
وعلى هذا ؛ فإذا كنت اشترطت عليهم أن تكون بكراً ، فلك الحق في استرداد المهر .
أما إذا كنت لم تشترط ذلك ، فلك أن تطلقها إن شئت إذا لم تطب نفسك بالعيش معها ،
ولكن لا حق لك في المهر .
والنصيحة أن تبقيها وتستر عليها إن كانت قد تابت توبة نصوحا واستقامت .
والله أعلم .