يسأل عن السبيل الذي وسوس به إبليس لأبينا آدم
أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنه عندما رفض إبليس لعنه الله السجود لسيدنا آدم قام سبحانه وتعالى بطرده من الجنة .
أريد من فضيلتكم توضيح أمر قد أشكل علي ، وهو كيف وسوس إبليس لسيدنا آدم وهو في الجنة ، مع أن الله تعالى طرده ؟
جزاك الله كل خير .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
لا نرى للسائل الكريم ، ولا لغيره من المسلمين الاشتغال كثيرا بتفاصيل القصص التي
طوى القرآن ذكرها ، ولم يَرِد بها أثرٌ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ لو
كان فيها كبير فائدة أو حكمة لذكرها الله عز وجل في كتابه ، أو علَّمها الرسول صلى
الله عليه وسلم أصحابه ، فلا ينبغي للمسلم أن ينشغل بالمفضول عن الفاضل ، وبالفروع
عن الأصول .
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : (
إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ
الْمَالِ ) رواه البخاري (2408) ومسلم (593)
يقول ابن حجر في "فتح الباري" (3/342) :
" قال ابن التين : يحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات ، أو عما لا حاجة
للسائل به ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( ذروني ما تركتكم ) قلت : وحمله على
المعنى الأعم أولى " انتهى.
ثانيا :
ومن ذلك الخوض في تفاصيل الطريقة التي وسوس بها إبليس لعنه الله ، لأبينا آدم وأمنا
حواء عليهما السلام ، فقد اقتصر القرآن الكريم على ذكر أصل الحادثة من غير تفصيل
طبيعة الوسوسة ولا طريقتها ، وأوضح ما جاء في ذلك قوله عز وجل :
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ
سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ . وَقَاسَمَهُمَا
إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) الأعراف/20-21
وقوله سبحانه :
( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى
شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ) طه/120
فإذا وقفنا مع ظاهر الآيات بدا لنا أن هذه الوسوسة كانت مشافهة ومخاطبة مباشرة ،
وقد نقل بعض أهل العلم ذلك عن جمهور المفسرين ، فقال القرطبي في "الجامع لأحكام
القرآن" (1/312) : " قال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة ،
ودليل ذلك قوله تعالى : ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) ، والمقاسمة ظاهرها
المشافهة " انتهى.
غير أن هذا الظاهر لا يفسر كيف استطاع إبليس أن يخاطب آدم وحواء بهذا الخطاب ، وهل
كان على هيئته المعروفة أم تمثل لهما ، وهل دخل الجنة دخولا حقيقيا أم عارضا ، كل
ذلك من الغيب الذي لا يمكننا أن نخوض فيه من غير أثارة من علم .
إلا أن نذهب إلى ما روي عن بعض الصحابة والتابعين ، ومال إليه ابن جرير الطبري
(1/532) ، وأصله من كلام وهب بن منبه عن علوم أهل الكتاب أنه : " لما أراد إبليس أن
يستزلَّهما دَخل في جوف الحية ، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بُخْتِيَّة ، من أحسن
دابة خلقها الله ، فلما دخلت الحية الجنة ، خرج من جوفها إبليس " انتهى
باختصار.
أو يقال بما قرره الشيخ الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" حين قال :
" والمفسرون يذكرون في ذلك قصة الحية ، وأنه دخل فيها فأدخلته الجنة ، والملائكة
الموكّلون بها لا يشعرون بذلك ، وكل ذلك من الإسرائيليات ، والواقع أنه لا إشكال في
ذلك ، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريباً من طرفها ، بحيث يسمع آدم كلامه وهو
في الجنة ، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه ، لا لكرامة إبليس ، فلا
محال - عقلاً - في شيء من ذلك ، والقرآن قد جاء بأن إبليس كلّم آدم ، وحلف له حتى
غره وزوجه بذلك " انتهى .
وإنما يعنينا من ذلك أن نؤمن إيماناً لا شك فيه ، أن هذه القصة وقعت ، كما أخبرنا
الله في كتابه ، وأن سوق العداوة قد قامت بين إبليس وجنده وآدم وذريّته : ( إِنَّ
الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) الإسراء / 53
، فاحذره كما حذّرك الله ، واستعن عليه بإخلاص الدين لله ( قَالَ
فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ
الْمُخْلَصِينَ) ص/82-83 ، واحذر يا عبد الله أن تكون من حزب
الغاوين ( قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ
عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ
جُزْءٌ مَقْسُومٌ) الحجر41-44 .
والله تعالى أعلم