إذا كان الإمام يقنت في الفجر سرا فهل يقنت أم يسكت
الإمام الذي يصلى بنا الفجر في الركعة الثانية بعد قراءة الفاتحة وسورة يصمت دقائق ، فهل هناك شيء وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ؟ وهل يجوز أن أدعو فيها ؟ لأنه يفعل هذا في كل صلاة ، أم أبقى صامتاً في هذا الوقت ؟
الجواب
الحمد لله.
ما يفعله الإمام قبل الركوع من الركعة الثانية هو القنوت ، وإسراره به جار على مذهب
المالكية ، فقد استحبوا أن يكون القنوت في الصبح سرا ، وهو أحد الوجهين عند
الشافعية.
وأصل القنوت في الفجر محل خلاف بين العلماء ، فمنهم من رأى مشروعيته كالمالكية
والشافعية ، ومنهم من لم ير ذلك كالحنفية والحنابلة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/449) : " ولا يسن القنوت في الصبح , ولا
غيرها من الصلوات , سوى الوتر . وبهذا قال الثوري , وأبو حنيفة . وروي عن ابن عباس
, وابن عمر , وابن مسعود , وأبي الدرداء .
وقال مالك , وابن أبي ليلى , والحسن بن صالح , والشافعي : يسن القنوت في صلاة الصبح
, في جميع الزمان ; لأن أنسا قال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في
الفجر حتى فارق الدنيا . رواه الإمام أحمد , في " المسند "
, وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم .
ولنا ما روي , أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا , يدعو على حي من أحياء
العرب , ثم تركه . رواه مسلم . وروى أبو هريرة , وأبو
مسعود , عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك . وعن أبي مالك قال : قلت لأبي : يا
أبت , إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر , وعمر , وعثمان ,
وعلي هاهنا بالكوفة نحوا من خمس سنين , أكانوا يقنتون ؟ قال : أي بني محدث . قال
الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم . وقال إبراهيم
النخعي : أول من قنت في صلاة الغداة علي , وذلك أنه كان رجلا محاربا يدعو على
أعدائه . وروى سعيد في " سننه " عن هشيم , عن عروة الهمذاني , عن الشعبي قال : لما
قنت علي في صلاة الصبح , أنكر ذلك الناس . فقال علي : إنما استنصرنا على عدونا هذا
. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت
في صلاة الفجر , إلا إذا دعا لقوم , أو دعا على قوم . رواه سعيد
, وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام , فإنه يسمى قنوتا . وقنوت عمر يحتمل أنه
كان في أوقات النوازل ; فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت , وروى ذلك عنه
جماعة , فدل على أن قنوته كان في وقت نازلة " انتهى .
وينظر : الموسوعة الفقهية (34/58).
ومع أن الراجح عدم القنوت في الفجر إلا في النوازل ؛ لكن لا حرج في الصلاة خلف من
يقنت فيه ، والتأمين على دعائه .
والشافعية يقولون بجواز الائتمام في صلاة الظهر والعصر بمن يصلي الصبح والمغرب ،
قالوا:
" ولا تضر متابعة الإمام في القنوت في الصبح ، والجلوس الأخير في المغرب ، كالمسبوق
، وله فراقه ..، والمتابعة أفضل من مفارقته ، كما في المجموع .
فإن قيل : كيف يجوز للمأموم متابعة الإمام في القنوت ، مع أنه ليس مشروعا للمأموم
..؟
أجيب بأن ذلك اغتفر لأجل متابعة الإمام ... ) مغني المحتاج ، للشربيني
(1/254) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه ، سواء قنت قبل الركوع أو
بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه .
ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق
والائتلاف كان قد أحسن " انتهى . مجموع الفتاوى (22/268) .
وينظر : سؤال رقم (20031) و(5459)
و(59925) .
ولا فرق فيما ذكرناه من متابعة الإمام بين أن يجهر الإمام بالقنوت أو يسر ، ؛ فإذا
جهر الإمام أمَّن المأموم على دعائه ، وإن كان يسر بدعائه ، كما ورد في السؤال ،
فإن المأموم يقنت في نفسه ، حتى يفرغ إمامه .
وقد ذكر ابن مفلح في "الفروع" (1/542) رواية عن الإمام أحمد أنه إن لم يسمع الإمام
: دعا ، وهذا وإن كان في قنوت الوتر ، فقد نص على أن المؤتم بمن يقنت في الصبح ،
فيه روايتان : إحداهما السكوت ، والأخرى : متابعته كالوتر، وذكر المرداوي في تصحيحه
: أن الصحيح أنه يتابعه : فيؤمن ويدعو اهـ
ولذلك صرح الشيخ ابن قاسم رحمه الله في حاشية الروض بالمتابعة هنا ، فإنه علق على
قول الروض ( ومن ائتم بقانت في فجر : تابع الإمام وأمن ..) ، بقوله (2/199) :
" أي : تابع الإمام في دعائه ، لحديث " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا
عليه " ، ونحوه ، وأمن المأموم على دعاء إمامه إن سمع القنوت ، وإن لم يسمع دعا "
انتهى .
والله أعلم .