حلف بالمصحف ألا يفعل معصية ثم فعلها
كنت أرتكب معصية فوضعت يدي على المصحف ، وأقسمتُ أني لن أعود إلى هذا الفعل مرة أخرى ، علماً أنى أريد إرضاء الله ، والتشديد على نفسي بالامتناع عن ذلك الفعل بالقسم ، ثم وقعت في تلك المعصية ، مرة ناسياً القسم ، ومرتين متذكراً القسم ، فهل من توبة ؟ هل من كفارة ؟ وما هي ؟ علماً بأني طالب ، ومازلت آخذ أموالي من والدتي ، ولا أعلم مساكين في بلدي - لكن يوجد أكيد الكثيرين ، لكن لست أعرفهم - كما أن تلك الأموال قد ترهق أمي ماديّاً ، ولكنها ستعطيني إياها إن طلبتها ، وأسألكم الدعاء لي بأن تدمع عيني ، ويخشع قلبي ، ويستجاب لي .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يطهِّر قلبك وجوارحك ، وأن يحفظ عليك دينك ، وأن يجنبك الفتن ،
ما ظهر منها وما بطن .
أما فعلك للمعصية نسياناً لليمين ، فلا كفارة عليك فيه .
وأما فعلك للمعصية عامداً ، ذاكراً ليمينك مرتين : فإن عليك كفارة يمين واحدة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"الواجب على من حلف على ألا يفعل معصية : أن يثبت على يمينه ، وألا يعصي الله عز
وجل ، فإن عاد إلى المعصية مع حلِفه ألا يفعلها : فعليه كفارة يمين ، وهي عتق رقبة
، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، والصوم لا يجزئ في كفارة اليمين إلا مَن عجز
عن هذه الأشياء الثلاثة : العتق ، والإطعام ، والكسوة ، وأما مَن قدِر : فلو صام
ثلاثة أشهر : لا يجزئه .
وإني أنصح هذا الأخ أن يكون قوي العزيمة ، ثابتاً ، وألا يجالس أهل المعصية التي
تاب منها ، بل يبتعد عنهم ، حتى يستقر ذلك في نفسه" انتهى .
" فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين - ( الشريط رقم 374 ، وجه ب ) .
وبما أنك تخبر أنك طالب ، وأنك لا تستطيع الإطعام ولا الكسوة : فعليك بصيام ثلاثة
أيام ، كفارةً لهذا اليمين ، والأولى أن تكون متتابعة ، ولو صمتها مفرقة فلا حرج في
ذلك .
وانظر جواب السؤال رقم : (103424)
.
مع التنبيه على أن هذه الكفارة هي مقابل حنثك في يمينك ، لا في مقابل المعصية ،
وإنما تحتاج لتوبة صادقة من فعل تلك المعصية .
ثانياً :
أما تغليظ اليمين بوضع اليد على المصحف : فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولا عن أحدٍ من أصحابه ، بل الظاهر أنه بدعة ، واليمين ينعقد بالقسم نفسه ، ولا
حاجة لتغليظه بوضع اليد على المصحف .
قال القرطبي رحمه الله :
وزاد أصحاب الشافعي التغليظ بالمصحف ، قال ابن العربي : وهو بدعة ، ما ذكرها أحد
قطُّ من الصحابة .
" تفسير القرطبي " ( 6 / 354 ) .
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله رادّاً على من أجاز تغليظ اليمين بالمصحف - :
قال الشافعي : رأيتهم يؤكدون بالمصحف ، ورأيتُ " ابن مازن " وهو قاضي بصنعاء يغلظ
بالمصحف .
قال أصحابه : فليغلظ عليه بإحضار المصحف ؛ لأنه يشتمل على كلام الله تعالى وأسمائه
.
(قال ابن قدامة) : وهذا زيادة على ما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في
اليمين ، وفعلَه الخلفاء الراشدون ، وقضاتُهم ، من غير دليل ، ولا حجة يستند إليها
، ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لفعل ابن مازن ، ولا غيره .
" المغني " ( 12 / 119 ) .
واعلم أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده النادمين ، وأنه تعالى يحب التوابين ،
ويحب المتقين ، فإذا أريت الله صدقاً في توجهك وتقربك لك : أعانك ، ووفقك ، وسددك ،
ورقق قلبك ، وأدمع عينك .
واعلم أنه إن قسا القلب : قحطت العين ، فإذا أردت رقة القلب ، ودمع العين : فعليك
بالطاعات ، فافعلها ، وبالمعاصي ، فاهجرها ، واحرص على الصحبة الطيبة ، ومجالس
العلم، وعلى أذكار الصباح والمساء ، وعلى ورد قرآني تقرأه كل يوم ، واحرص على
القيام والصيام ، فهما يرققان القلب ، ويهذبان الجوارح ، بتوفيق الله ، وفضله .
واحذر من القنوط من رحمة الله ، فالله تعالى عفوٌّ ، يحب العفو ، فسارع إلى ربك
بتوبة صادقة ، واعزم على عدم العود لكل ما يُسخط ربك تعالى .
وللفائدة : انظر جواب السؤال رقم : (23491)
.
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك ممن يخشونه حق خشيته .
والله أعلم