هل يأثم بطلاق زوجته التي كان لها علاقات سابقة قبل التوبة
أنا شاب متزوج منذ 3 سنوات بزوجة أقل مني سنّاً بسنة ، ورزقت منها - والحمد لله - منذ سنتين ببنت ، المشكلة أنه ليس هناك تفاهم بيننا ، فنحن دائما في تصادم ، حيث إنها عصبية وغالباً لا يعجبها أي شيء ، وكثيرة الشكوى ، و لا تتفاهم مع عائلتي ، زد على ذلك أني أشكُ في ماضيها ، فقد كانت قبل زواجنا تدخن ، ومِن رواد الملاهي الليلية حين كانت طالبة جامعية ، وقد اعترفت لي بذلك قبل الزواج وأكدت بأنها لم تتجاوز تلك الأمور ، ومنذ سنة اكتشفت بالصدفة في أوراقها الخاصة شهادة طبية ( يرجع تاريخها إلى سنة قبل الزواج ) تثبت بأنها بكر فواجهتها وطلبت منها تبرير ذهابها للطبيب للحصول على هذه الشهادة إن كانت لا تشكُ في عذريتها فقالت : إنه قيل لها من قبَل بعض صديقاتها إنه إجراء روتيني تقوم به الفتاة لتفادي المشاكل التي قد تحصل ليلة الدخلة من قبل بعض الأزواج ، ولكني لم أقتنع وبقيت أشكٌ بالأمر رغم تأكدي من عذريتها ، وبسبب كثرة المشاكل التي بيننا وصعوبة التفاهم إلى جانب الشكٌ أصبحت أفكر جديّاً في الطلاق تجنباً للفتنة ورحمة لي ولها .
وسؤالي هو :
هل الطلاق في كل الأحوال حرام أم حلال ؟ وفي حالتي هل أعتبر آثما إذا طلقت ؟ .
أرجو الإجابة الشافية ، مع الشكر الجزيل لسعة صدوركم .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
الأصل في الطلاق أنه يخالف مقصود الشرع من الاجتماع بين الزوج وزوجته في بيتٍ واحدٍ
بألفة ومودة ، وقد امتن الله تعالى على الناس بهذه الألفة والمودة ، وجعل ذلك من
آياته عز وجل ، بالإضافة إلى ما ينتج عن هذا الزواج من ذرية طيبة .
وقد دلَّت نصوص شرعية على أن التفريق بين الزوجين هو من أخس أفعال السحرة ، قال
تعالى – عن السحرة - : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) البقرة / ، وهو من أعظم أفعال الشياطين التي
تقربهم إلى إبليس ، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبليس
يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم
فيقول : فعلتُ كذا وكذا ، فيقول : ما صنعتَ شيئاً ، ويجيء أحدهم فيقول : ما تركته
حتى فرقتُ بينه وبين أهله ، فيدنيه منه ، ويقول : نِعْم أنتَ " .
رواه مسلم ( 2813 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الأصل في الطلاق الحظر وإنما أبيح منه قدر
الحاجة" اهـ مجموع الفتاوى (33/81) .
لكن هذا لا يعني المنع من الطلاق أو حرمته ، بل قد يكون واجباً ، أو مستحبّاً ، أو
مباحاً ، أو مكروهاً .
فيكون واجبا في أحوال ، منها : إذا كان الدافع له أموراً تهدم الحياة الزوجية
كتهاونها في عرضها وشرفها ، أو عند العجز عن الإصلاح بينهما في حال وجود الشقاق ،
أو كان بالزوج عيبٌ يحول بين الحياة الزوجية وبين أدائها وظيفتها ككونه عنِّيناً أو
مجبوباً ، والزوجة تحتاج إلى العفاف . ويكون واجباً إن كان إمساكها بغير معروف ،
ولا يؤدي ما أوجبه الله عليه تجاهها .
ويكون الطلاق مستحباً : إذا كان الدافع له سوء أخلاق الزوجة ، وتسببها في إيذاء
زوجها أو أقاربه أو جيرانه بالقول أو بالفعل ، أو كان الطلاق بسبب نفورها منه .
ويكون مباحاً : إذا أراد طلاقها للتزوج بأخرى وليس عنده قدرة على التعدد ، أو بسبب
نفورٍ طبيعي .
ويكون مكروهاً : إذا كان مع استقامة حالها وخلقها ، وكان بينهما أولاد يخاف ضياعهم
، أو كانت فقيرة أو غريبة عن بلدها .
ثانياً :
إننا نتعجب منك – أخي الفاضل – حيث تقول إن زوجتك قد اعترفت لك أنها كانت – قبل
الزواج – من رواد الملاهي الليلية ، وقد قبلتَ بها بعد أن تابت ، ثم أغاظك أنك رأيت
شهادة تثبت عذريتها ! بل إن هذا يؤكد كلامها أنها لم تقع في الفاحشة الكبرى ، وقد
تكون صادقة في قولها أنها فحصت من أجل إثبات عذريتها لليلة الدخلة .
وعلى كل حال : إن كنتَ قبلتَ كلامها في أنها تابت وتركتْ جاهليتها خلف ظهرها : فإن
هذه الشهادة لا ينبغي أن تغير من نظرتك لها ، وهي – في أسوأ الأحوال – كانت في تلك
الفترة التي كانت فيها ترتاد أماكن الفساد والانحراف .
وإن كنت لا زلت في شك من صدق توبتها ، وترى أنه لا يمكن لحالك أن تستقيم معها ،
وسوف يبقى الشك ينغص عليك عيشك معها ، لا سيما مع وجود المشاكل الأسرية ، فالذي
نراه لك أن تطلقها ، وتحسن إليها ، كما أمرك الله : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) البقرة/229
، ونسأل الله أن يغني كلا منكما من سعته ،
وأن يبدلك خيراً منها ، ويبدلها خيراً منك .
والله أعلم