هل يسقط الجنين من بطن الحامل إذا قرأت سورة الزلزلة ؟
تقول إحدى النساء إنه عندما تقوم المرأة الحامل بقراءة سورة الزلزلة فإنه يسقط الجنين بسبب قراءة السورة .. وتقول أيضاً : إنه عندما تتقدم للرقية الشرعية عليها أن تخبر الراقي بأنها حامل حتى يتجنب قراءة سورة الزلزلة عليها حتى لا يسقط الجنين .
ما صحة هذا الكلام .
جزاكم الله عنا خير الجزاء ، ونفع بكم الأمة .
الجواب
الحمد لله.
لا ينبغي للمسلم أن يعتقد ضررا في قراءة بعض سور القرآن ، ففي هذا الظن مخالفة لقول
الله سبحانه وتعالى : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ )
فصلت/44 ، ولا يعرف في كتب الفقهاء والعلماء ولا في آثار السلف
الصالحين من كان يحذر المرأة الحامل من قراءة سورة الزلزلة ، بل ما زال حفاظ القرآن
الكريم من الرجال والنساء يحرصون على ختم القرآن في مدة وردهم من غير استثناء شيء
منه ، والذي يجرؤ على التحذير من قراءة سورة معينة – ولو في حالة مخصوصة – فقد تجرأ
على أمر عظيم .
نعم ، لا ينكر أن تكون هذه السورة أو غيرها مما له نفع في التيسير على الحامل أن
تضع حملها إذا ثبتت بذلك التجربة ، ولكن ذلك لا يستلزم العكس بإسقاط الحامل في أول
حملها ، وذلك لأن كلام الله عز وجل لا يكون فيه شر أو أذى بحال من الأحوال .
يقول ابن القيم رحمه الله :
" كتاب لعسر الولادة : قال الخلال ، حدثني عبد الله بن أحمد قال : رأيت أبي يكتب
للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض ، أو شيء نظيف ، يكتب حديث ابن عباس رضي
الله عنه : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد
لله رب العالمين ، ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ )
الأحقاف/35، ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها
) النازعات/46 .
قال الخلال : أنبأنا أبو بكر المروزي ، أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال : يا أبا عبد
الله ! تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين ؟
فقال : قل له : يجيء بجام واسع ، وزعفران ، ورأيته يكتب لغير واحد ، ويذكر عن عكرمة
عن ابن عباس قال : مر عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم على بقرة قد اعترض ولدها
في بطنها ، فقالت : يا كلمة الله ! ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه .
فقال : يا خالق النفس من النفس ، ويا مخلص النفس من النفس ، ويا مخرج النفس من
النفس ، خلصها . قال : فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه . قال : فإذا عسر على المرأة
ولدها فاكتبه لها . وكل ما تقدم من الرقى فإن كتابته نافعة " انتهى.
"زاد المعاد" (4/326)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي :
" هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
لا أعلم في ذلك شيئاً من السنة ، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذها الطلق
ما يدل على التيسير ، مثل : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ
بِكُمُ الْعُسْرَ ) ويتحدث عن الحمل والوضع ، كقوله تعالى :( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ
أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه ) ، ومثل قوله تعالى : ( إِذَا زُلْزِلَتِ
الأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا )
فإن هذا نافع ومجرب بإذن الله ، والقرآن كله شفاء ، إذا كان القارئ والمقروء عليه
مؤمنا بأثره وتأثيره ، فإنه لا بد أن يكون له أثر ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا
يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً )
وهذه الآية عامة : شفاء ورحمة ، يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات ، وأمراض
الشهوات ، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى العقيدة/العبادة) (شريط رقم/257، وجه أ )
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وأما التجربة فإن كان المجرَّب له أصل فإن التجربة تكون تصديقاً له ، وإن لم يكن
له أصل فإن كانت هذه التجربة في أمور محسوسة فلا شك أنها عمدة ، وإن كانت في أمور
شرعية فلا ، القرآن الكريم الاستشفاء به له أصل ، قال الله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ
مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الإسراء/82
فله أصل ، فإذا جربت آيات من القرآن لمرض من الأمراض ونفعت صار هذا النفع تصديقاً
لما جاء في القرآن من أنه شفاء للناس .
أما غير الأمور التعبدية فهذه خاضعة للتجربة بلا شك ، فلو أن إنساناً مثلاً له
بصيرة فيما يخرج من الأرض من الأعشاب ونحوها خرج إلى البر ، وجمَّع ما يرى أن فيه
مصلحة ، وجرب ، فإنه يثبت الحكم به " انتهى.
"اللقاء الشهري" (لقاء رقم/37، سؤال رقم/26)
والحاصل أن سور القرآن كلها لا تضر حاملا ولا مرضعا ولا غيرهما ، بل هي خير ونفع
وبركة على قارئها ومستمعها بإذن الله تعالى .
والله أعلم .