الحمد لله.
هذا الكلام عليه عدد من الملاحظات :
1. صحيح أن يسوع تفاعل مع المرأة ، لكن كان تفاعله بصورة سلبية ، لا إيجابية ، والنص يدل على ذلك ، وهو في " متَّى " ( 15 / 22 - 28 ) ، فلم يبادر لعلاج ابنتها المجنونة مباشرة ، وتركها تصرخ ، وتستجدي .
2. قولها " إنه يختبرها " : فيه تكذيب لكلام يسوع وهو : " لم أُرسَل إلاَّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " .
وهي لما لم تكن من بيت إسرائيل : توجه له تلاميذه ليصرفها ، إذ لو كانت معنية برسالته واتباعه لتساءلوا عن سبب إعراضه عنها ، لكنهم تعلموا منه أنه لم يرسل لغير بيت إسرائيل ، ويدل على عدم دخولها في الدعوة قوله : فأجاب ، وقال : " ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب " !
فهي من الكلاب التي لا يجوز إعطاؤها الخبز ، يعني : الإيمان ، والدين وما يتعلق بهما .
وقد فهمت المرأة هذا ، لكنها صاحبة حاجة ، فقالت : " نعم يا سيد ، والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها " .
فلو أن المرأة من المدعوِّين وجوباً : لما جاز لها أن تأكل من الفتات ، بل يجب أن تكون على المائدة .
وختم يسوع قولها لها بعد أن قال : " عظيم إيمانك ، ليكن لك كما تريدين " .
فلم يكن ما يريد هو ، بل ما أرادت هي ، إذ لو كان ما يريد : لسخَّر المعجزة لدعوتها ، وانضمامها له ، لكن الحقيقة أن المرأة أرادت أمراً ، ويسوع أراد أمراً آخر ، فكانت إرادة المرأة مستجابة ، بناء على ما كانت عليه من إيمان ، لا لأنها من بيت إسرائيل المعنيين بدعوة يسوع .
3. وفي مقطع قصة الكنعانية إساءة بالغة للمسيح عليه السلام ؛ حيث ينسبون له وصف غير اليهود بـ " الكلاب " ! بل وفي موضع آخر يصفهم بـ " الخنازير " ! ، حيث نسبوا له قوله : " لا تُعطوا القدس للكلاب ، ولا تطرحوا دُرركم قدام الخنازير " كما في إنجيل " متَّى " ( 7 / 6 ) .
وهذا ليس من أخلاق الأنبياء والمرسلين ، فكيف يكون من أخلاق ربهم ! أو ابن ربهم ؟! .
4. وكيف يكون إلهاً وهو مرسل إلى أمَّة من الأمم دون غيرها ؟ إن هذا لشيء عجاب ، فمن يكون رب أولئك إذن ؟ .
5. وقول المرأة النصرانية إن تلاميذ المسيح هم الذين طردوها ! يُرد عليه من وجهين :
الأول : أن ذلك ليس من أخلاق أتباع الأنبياء وخاصتهم ، فكيف رضيتم نسبة هذا الخلق السيئ لهم ؟! .
الثاني : أن إثبات طرد تلاميذ المسيح لها غير ثابت عندكم ! بل الثابت أنهم شفعوا لها عند المسيح فلم يجبهم ، وهكذا هو النص عندكم : " فَجَاءَ تَلاَمِيذُهُ يُلِحُّونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ : اقْضِ لَهَا حَاجَتَهَا ، فَهِيَ تَصْرُخُ فِي إِثْرِنَا ! " .
وكل النصوص المختلفة عن هذا فإن معناها مشترك ، بدليل رد المسيح في كل تلك الروايات أنه لم يرسل إلا لليهود ! وهو جواب واضح على شفاعة مقدَّمة منهم .
وقد وافَقَنا على هذا بعضُ النصارى حيث قال : " وهنا نجد أن التلاميذ يتوسطون للمرأة لدى يسوع ، ليس حبّاً فيها لأنها أممية وثنية ، وإنما رغبة فقط في إسكاتها والتخلص من صياحها المزعج جدّاً ! " .
وهذا كله على اعتبار صحة القصة عندهم ، وإلا فنحن لا نثبت تلك الروايات ، ولا الحوادث ، وقد أخبرنا ربنا تعالى بوصول يد التحريف والتبديل لها ، فقال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة/ 79 .
ونوصي إخواننا ألا يتعرض أحدهم لنقاش أهل الأديان ، والفرَق الضالة ،إلا أن يكون من أهل الاختصاص ، ومن تمرسوا بأساليب الجدل ، وعلم ما عند القوم من شبهات ؛ وإلا فقد تدخل شبَهة في قلبه لا يستطيع التخلص منها ، كما أنه قد ينسب للإسلام ما ليس منه ، أو ينفي عنه ما هو فيه ، والحمد لله أن قد يسَّر الله مختصين من أهل العلم في الأديان والفرَق كلها ، يردون عليهم ، ويبينون ضلالهم ، وهذا من حفظ الله تعالى لدينه .
والله أعلم