تعلق بفتاة من سنوات ثم تاب واستقام ويسأل عن المراسلة البريئة
ابتليت بالعشق أيام الدراسة الثانوية فقد أحببت فتاة ، وتعلمت وإياها الصلاة وكانت تحثني على الجماعة ، ثم افترقنا في الجامعة وبدأنا نلتقي بعد ذلك ولكن الله حفظنا من الفاحشة .
منذ سنة تقريباً لبست هي الحجاب وانطلقت في طرق الالتزام ، لكن بقينا نتراسل بالجوال أو الرسائل الإلكترونية وأحياناً أختي تبلغها والله هي تحثني على الطاعة وأنا أيضاً ورسائلنا ليس فيها إلا الخير فإما أن نتحدث عن الدراسة أو نحث بعضنا على الطاعات وأحيانا نمتنع عن المراسلة ونقول إنها لا تجوز ، مع العلم أن أهلها على علم بعلاقتنا وأنه حب طاهر ، أريد الزواج منها لكن المشكلة أن هذا صعب حالياً لأن كلانا يدرس – وقد اتفقنا أن نستفتيكم وسوف نسلم بما تفتوننا به إن شاء الله ، فكلانا يخشى الله ونريد الابتعاد عن كل حرام .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
نحمد الله تعالى الذي هداكما وحفظكما من الوقوع في الفاحشة التي هي ثمرة مثل هذه
العلاقات المحرمة ، ونحمده أن جعل في قلوبكم من الإيمان ما أوجب الشك والتردد في
مواصلة هذه العلاقة ، فكم من غافلٍ لبّس عليه الشيطان ، وزين له المراسلة والكلام ،
تحت ذريعة النصح والصدق والحب البريء !
وعجبا للإنسان كيف يخدع نفسه ، ويغشها ، ويوهمها أنه سائر في الطاعة ، بعيد عن
المعصية ، وهو يعلم في داخلة نفسه أنه مسيء !
وتراه يغتر بمعرفة الناس بعلاقته ، وسكوتهم عنه ، وهو يدرك أن ذلك لا حجة فيه ، وأن
كثيراً من الناس اليوم يرضون بما هو أعظم من ذلك ، فلو ساغ الاحتجاج بهذا ، لأوشك
أن يكون الباطلُ حقاً ، والخطأُ صواباً ، والمنكرُ معروفاً .
ولهذا فإن من توفيق الله تعالى لكما أن هداكما للسؤال والاستفسار ، كما هداكما
قبلها للتوقف عن المراسلة ، وإدراك ما فيها من الحرام .
ثانياً :
لا شك أن إقامة العلاقة بين الرجل والمرأة ، وتبادل الرسائل والاتصالات ، هو من
المنكرات الواضحات ، المشتمل على جملة من الآثام والسيئات ، أعظمها تعلق القلب ،
وانشغال النفس ، والوقوع في الرق والأسر ، والافتتان بالكلمة والصوت ، ثم التطلع
لما وراء ذلك من اللقاء والرؤية .
وقد جاءت الشريعة بمنع ذلك كله ؛ لأنه باب الفتنة ، وطريق الغواية ، وسلّم الحرمان
، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ
بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا
زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21 .
والشيطان لا يأتي العبد الصالح يدعوه للزنا أول الأمر ، وإنما يستدرجه للكلام ،
والنظر ، والتعلق ، ثم يزين له الحرام الأكبر إذا ضعفت عزيمته ، وتمكن الهوى من
قلبه .
ولهذا كان من كمال هذه الشريعة تحريم النظر إلى النساء وتحريم مصافحتهن والخلوة بهن
، ومنع المرأة من الخضوع بالقول ، وكل ذلك سدا لباب الفتنة ، وتقليلاً لمادة الشر ،
وتطهيراً للنفوس والقلوب ، وقصراً لهذه المُتع على الوجه الذي أباحه الله وأذن فيه
، لتكمل السعادة بين الزوجين ، وتعظم رغبة كل منهما في الآخر ، فهو مقصور عليها ،
وهي مقصورة عليه .
ومن استعجل تحصيل هذه السعادة قبل أوانها ، عوقب بحرمانها ، ولهذا كثر في أهل
الانحراف وجود الهم والغم ، وحصول النشوز والفرقة ، حتى في أكثر الزيجات قياما على
ما يسمونه بالحب .
وأما العشق فبلاء أكبر وأعظم ، وقد بينا في جواب سابق أن العشق "معصية من نوع آخر
قد لا تكون مقترنة بشهوة ولكنّها خطيرة جدّا لأنها تصل إلى الوقوع في عبودية العاشق
للمعشوق ويصبح كلّ همّه وتفكيره ، لا يصبر على فراقه في نهاره ويراه في منامه ،
يحيا لأجله ويموت لأجله ، وربما تغيّر إذ رآه ، ومرض إذا غاب عنه ، فهذه علاقة
مدمّرة لنفسية الإنسان ولعلاقته بربّه وتجعل العاشق عبدا للمعشوق ، والعبودية لغير
الله حرام ، والحلّ الأساسي لهذه المصيبة هو المفارقة التامّة بحيث لا يقع منه على
خبر ، ولا يرى له حسٌّ ولا أثر" .
ولهذا فإننا نقول :
لا يجوز لكما الاستمرار في هذه العلاقة ، ويلزمكما قطع الاتصالات والمراسلة ، مهما
كان محتواها ، فإن هذا من استدراج الشيطان لكما .
وأما الزواج فهو خير علاج لكما إن تيسرت أسبابه ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله
عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَمْ
نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) رواه ابن ماجة (1847) وقال
البوصيري : "رجاله ثقات ، وإسناده صحيح" .
نسأل الله تعالى لكما التوفيق والسداد والرشاد .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (59907)
و (84102) .
والله أعلم .