الحكَم الجليلة في تحريم الزنا
عندي صديق يحاول أن يفهم لماذا حُرِّم الزنا ! كلانا يتصفح هذا الموقع ، لكن كل ما وجدناه هو أن هناك نصوصاً من الكتاب والسنَّة تخبرنا بعدم ارتكاب الزنا ، وأن العقوبة تنتظرهم ، على أية حال : هل يمكنكم أن تبيِّنوا الحكمة من عدم ارتكاب الزنا ؟ هل هناك أي مثال في القرآن يبين سبب جعله حراماً ؟ هناك أسباب واضحة مثل قطع البنية الاجتماعية ، وإيجاد نساء مومسات ، لكن هل هناك أي قصة في القرآن والحديث ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً : الواجب على المؤمن أن يمتثل حكم الله تعالى سواء عرف الحكمة أم لم يعرفها ،
مع تسلميه بأن الله تعالى لم يشرع هذا الحكم إلا لحكم عظيمة ، تحقق المصلحة والخير
للناس ، وتدفع عنهم الشرور والمفاسد .
قال الله تعالى : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) النور/51 .
ومع ذلك ... فلا مانع من أن يبحث المؤمن عن الحكمة حتى يزداد يقينه بكمال هذه
الشريعة ، وأنها ـ حقاًّ ـ من عند الله تعالى ، وليستطيع بذلك مجادلة غير المسلمين
، وإقناعهم بأن هذه الشريعة حق .
ثانياً :
لقد حرم الله تعالى الزنا ، تحريماً قطعياً ، وأوجب على من ارتكبه عقوبة تقام عليه
في الدنيا ، وهي الحد ، ولسنا بحاجة إلى ذكر بعض النصوص في ذلك ، لأنها معلومة ،
ولكننا نذكر هنا بعض الحكم لتحريم الزنا .
فمن هذه الحكَم :
1. موافقة هذا التحريم للفطرة التي فطر الله الناس عليها ، من الغَيْرة على العِرْض
، وبعض الحيوانات تغار على عرضها ، فقد ثبت في صحيح البخاري (3849) عن عمرو بن
ميمون الأودي قال : رأيت في الجاهلية قرداً زنا بقردة ، فاجتمع القرود عليها ،
فرجموها حتى ماتت! .
فإذا كان القرد يغار على عرضه ، ويستقبح الزنا ، فكيف لا يغار الإنسان على عرضه ؟
فأي رجل يقبل أن يجعل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته متاعاً للناس وسلعة مجانية ،
فقد رضي لنفسه أن ينزل عن مرتبة بعض الحيوانات ، كما يوجد الآن في بعض البلاد
الغربية ما يسمونه بـ "نوادي تبادل الزوجات" !!
2. المنع من اختلاط الأنساب ، فمن أباح الزنا فإنما يبيح إدخال ما ليس من صلبه في
أسرته وعائلته ، فيشارك أفراد الأسرة في الميراث وهو ليس منهم ، ويعاملهم معاملة
المحارم وهو ليس محرماً لهم .
3. المحافظة على الأسرة والحياة العائلية فإن الزنا يُفسد البيوت ويدمرها ، فإذا
اتخذ الزوج عشيقة ، أو اتخذت الزوجة عشيقاً ، فلا شك أن ذلك سيدمر الأسرة ويشتتها .
4. الحماية من الأمراض ، التي هي عقوبة ربانية على انتشار تلك الفاحشة ، ولا يخفى
ما تعانيه كثير من الشعوب الإباحية من أمراضٍ خطيرة ، كالزهري والسيلان ، والإيدز
الذي أفنى ملايين الناس ، وما يزال الملايين مصابين به ، ففي عام 1427 هجري ،
الموافق 2006 م بلغ عدد المصابين بهذا المرض : 45 مليوناً ، وقد مات بسببه : 20
مليوناً، وحوالي 301 مليوناً نتيجة لأسباب مرتبطة بذلك المرض .
ويعتبر الإيدز السبب الرئيس للوفاة في أفريقيا ، والسبب الرابع للوفاة على مستوى
العالم.
فأي عاقل يرضى بانتشار هذه الأمراض في المجتمعات؟
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ
حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ
الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا) . رواه
ابن ماجه ( 4019 ) ، وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم .
5. المحافظة على كرامة المرأة ؛ فإن إباحة الزنا يعني سلب المرأة كرامتها ، وجعلها
سلعة مهانة ، والإسلام جاء لإكرام الناس ، وبخاصة المرأة ، بعد أن كانت في الجاهلية
متاعاً يورَث ، ومحلاًّ للإهانة والتحقير .
6. المنع من انتشار الجرائم ، فالزنا من أسباب انتشار جرائم القتل وكثرتها ، فقد
يقتل الزوج زوجته وعشيقها ، وقد يقتل الزاني زوج معشوقته أو من ينازعه عليها ، وقد
تقتل المرأة من زنى بها ، إن كان قد زنا بها بالإكراه مثلاً .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
"ولمَّا كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد ، وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ
الأنساب ، وحماية الفروج ، وصيانة الحرمات ، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء
بين الناس ، من إفساد كل منهم امرأة صاحبه ، وبنته ، وأخته ، وأمه ، وفي ذلك خراب
العالم : كانت تلي مفسدة القتل في الكبَر ، ولهذا قرنها الله سبحانه بها في كتابه ،
ورسوله صلى الله عليه وسلم في سننه ، قال الإمام أحمد : " ولا أعلم بعد قتل النفس
شيئاً أعظم من الزنا " ، وقد أكد سبحانه حرمته بقوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ
مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما *
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا * إِلَّا
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيما) الفرقان/68-70
.
فقرنَ الزنا بالشرك ، وقتل النفس ، وجعل جزاء ذلك : الخلود في النار في العذاب
المضاعف المهين ، ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة ، والإيمان ، والعمل الصالح ،
وقد قال تعالى : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) ، فأخبر عن فُحشه
في نفسه ، وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه في العقول ، حتى عند كثير
من الحيوانات" انتهى .
" الجواب الكافي " ( ص 105 ) .
والله الموفق