حديث ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع ) لا أصل له
هل هدا الحديث صحيح : ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع ) ؟
الجواب
الحمد لله.
لم نعثر على هذا الحديث – بعد البحث والتفتيش – في كتب السنة النبوية ، ولم يذكره ـ
فيما وقفنا عليه ـ سوى برهان الدين الحلبي في "السيرة الحلبية" (3/295) من
غير إسناد ولا عزو لكتب الأثر ، ولذلك فلا تصح نسبة الحديث إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قد يكون في معناه بعض التردد .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" هذا القول الذي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له " انتهى.
"السلسلة الصحيحة" (رقم/3942)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية (3/224) :
" هذا اللفظ المذكور ليس حديثا فيما نعلم " انتهى.
على أن الأدب الذي تضمنه هذا الكلام ، مازال أهل العلم ، وأهل العقل والحكمة يقولون
به : أنه لا ينبغي للإنسان أن يُدخل طعاما على طعام آخر في بطنه ، بل ينتظر حتى
تطلب نفسه الطعام وتشتهيه ، فإذا اشتهته وأعطاها حاجتها منه ، فليقتصد في تناوله ،
ولا يملأ بطنه منه ، بحيث يتجاوز حد الاعتدال والتوسط في ذلك .
عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا
مِنْ بَطْنٍ ؛ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ؛ فَإِنْ كَانَ
لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ )
رواه أحمد (16735) والترمذي (2380) ، وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
، وصححه الألباني .
قال صاحب " الفواكه الداواني" (2/317) :
( ومن آداب الأكل ) المقارنة له ( أن تجعل بطنك ) ثلاثة أقسام (
ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس ) لاعتدال الجسد وخفته ; لأنه يترتب على
الشبع ثقل البدن وهو يورث الكسل عن العبادة , ولأنه إذا أكثر من الأكل لما بقي
للنفس موضع إلا على وجه يضر به , ولما ورد : المعدة بيت الداء , والحمية رأس
الدواء , وأصل كل داء البردة . والحمية خلو البطن من الطعام , والبردة إدخال الطعام
على الطعام , ولفظ المعدة إلخ من كلام بعض الحكماء أدخله بعض الوضاع في المسند
المرفوع ترويجا له ...
ومن كلامهم أيضا ما قاله مالك : ومن طب الأطباء أن ترفع يدك من الطعام وأنت
تشتهيه... وقال سحنون : كل شيء يعمل على الشبع إلا ابن آدم إذا شبع رقد .. "
وقال السفاريني في غذاء الألباب (2/110) :
" ينبغي للآكل أن يجعل ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للهواء .. ، امتثالا لما قال
الرسول الشفيق الناصح لجميع الخلق المرشد للمنافع الدينية والدنيوية , والمنقذ من
الهلاك , والمفاسد صلى الله عليه وسلم فهو الحكيم الناصح , والعليم الذي أتى بالعلم
النافع , والحق الواضح . ولهذا قال الحافظ ابن رجب عن هذا الحديث : إنه أصل عظيم
جامع لأصول الطب كلها . وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب
أبي خيثمة قال : لو استعمل الناس هذه الكلمات يعني من قوله صلى الله عليه وسلم :
حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه إلى آخره لسلموا من الأمراض , والأسقام ولتعطلت
المارستانات ودكاكين الصيادلة . قال الحافظ ابن رجب : وإنما قال هذا ; لأن أصل كل
داء التخم قال بعضهم : أصل كل داء البَرْدَة وروي مرفوعا ولا يصح رفعه . , وقال
القرطبي في شرح الأسماء : لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة . وفي
الإحياء ذكر هذا الحديث يعني تقسيم البطن أثلاثا لبعض الفلاسفة فقال : ما سمعت
كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا , ولا شك أن أثر الحكمة فيه واضح , وإنما خص
الثلاثة بالذكر ; لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها .. وقال (
الحارث بن كلدة ) طبيب العرب : " الحمية رأس الدواء , والبطنة رأس الداء ) ورفعه
بعضهم ولا يصح أيضا قاله الحافظ , وقال الحارث أيضا : الذي قتل البرية , وأهلك
السباع في البرية , إدخال الطعام على الطعام , قبل الانهضام " انتهى .
والله أعلم .