نصرانية قريبة من الدخول في الإسلام متزوجة من تارك صلاة ، فما حكم عقدهما ؟
هناك امرأة نصرانية ، تعيش في " كندا " ، متزوجة من رجل مسلم ، كانت ترغب أن تتعرف على الإسلام ، وتتعلم أكثر عن قرب ، وأن تعتنقه يوماً ما ، إلا أنها أحبطت ، وخاب ظنها لما رأت من زوجها تهاونه في الصلاة ، حتى وصل الأمر إلى أن ترك الصلاة كليّاً لشهور حتى الآن ، وبعد أن تم طرده من العمل أصبح يجلس في المنزل ، وزوجته هي التي تعمل ، وتنفق على شؤون البيت ، أما هو فيجلس إلى الكمبيوتر ، ويحادث النساء ، ومشاهدة مشاهد إباحية على النت ، هذا ما زاد الطين بلة ، حينما علمت الزوجة بذلك بواسطة برنامج للتجسس ,
فما نصيحتكم التي تقدمونها لهما ؟ أعلم أن تارك الصلاة مختلف بين العلماء بتكفيره ، فأرجو أن توضحوا لنا المسألة على كلا المذهبين ، وبارك الله فيكم ، وأرجو إن كان في مقدوركم أن تكون الإجابة بالعربية والإنجليزية ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
اتفق العلماء على أن تارك الصلاة جحوداً لفرضيتها أنه كافر مخلد في نار جهنم إن مات
على هذا الجحود ، واختلفوا فيمن تركها لا جحوداً لفرضيتها ، بل تكاسلاً وتهاوناً ،
فقال جمهورهم إنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قُتل حدّاً ، وقال آخرون : إنه يعزر ،
ويُسجن حتى يصلي .
فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة :
القول الأول : وهو كفر من ترك الصلاة ، من غير تفريق بين جحود ، أو تكاسل ، وهو قول
عامة الصحابة ، لا يُعرف بينهم مخالف ، وممن قال به : الإمام أحمد رحمه الله في أصح
الروايتين ، وابن المبارك ، وإسحاق بن راهويه ، ومنصور الفقيه من الشافعية ، ويروى
أيضاً عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية .
القول الثاني : أن التارك للصلاة تكاسلاً وتهاوناً لا جحوداً : هو فاسق من فسَّاق
المسلمين ، وليس بكافر ، لكنه يستتاب – على خلاف بينهم في تحديد المدة - ، فإن تاب
وصلَّى وإلا قتلَ حدّاً ! كالزاني المحصن ، لكنه يقتل بالسيف ، وهذا هو مذهب مالك
وأصحابه ، وهو مذهب الشافعي ، وجمهور أصحابه .
وقتل مثل هذا حدّاً فيه وقفة تأمل ، وقد ذكرنا خطأ هذا القول في جواب السؤال رقم (
6035 ) .
القول الثالث : وهو أن تارك الصلاة عمداً ، تكاسلاً ، وتهاوناً ، مع إقراره بوجوبها
: لا يكفر ، ولا يقتل ، بل يعزر ، ويحبس ، حتى يصلي .
وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، وأصحابه ، وجماعة من أهل الكوفة ، وسفيان
الثوري ، والمزني صاحب الشافعي ، وهو أضعف الأقوال .
وقد بني على الخلاف في حكم تارك الصلاة : أحكام عملية كثيرة ، منها : توريثه ،
والتوريث منه ، وغسله ودفنه في مقابر المسلمين ، والصلاة عليه ، وحكم ذبحه وصيده ،
وحكم بقاء الزوجية ، وغير ذلك من الأحكام .
فمن قال بكفر تارك الصلاة – ولو من غير جحود - : فإنه يطبق عليه كافة أحكام
المرتدين ، فلا يرث ، ولا يورث ، ولا يغسَّل ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ولا
يصلى عليه ، ولا تحل ذبيحته ، ويفسخ عقد نكاح الزوجية .
ومن حكم بعدم كفره : فإنه لا يطبق عليه الأحكام السابقة ، بل يجعله فاسقاً من فساق
المسلمين ، مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب ، لكن جمهورهم يستتيبه ، فإن لم يصل :
قتل حدّاً ! ومثل هذا – عندهم - لو تزوج نصرانية أو يهودية : فإنه يُحكم بصحة
عقدهما ، ويكون العقد زواج مسلم بكتابية .
والراجح من القولين : هو الأول ؛ لظاهر الأدلة من الكتاب ، والسنَّة ؛ ولإجماع
الصحابة رضي الله عنهم على ذلك .
وهو الذي يفتي به المشايخ : محمد بن إبراهيم ، وعبد العزيز بن باز ، ومحمد بن صالح
العثيمين ، وعلماء اللجنة الدائمة ، وغيرهم من المحققين ، على خلاف في الحد الذي
يعتبر عنده تارك الصلاة تاركا مستحقا لهذا الحكم .
وعليه : فإن العقد بين ذلك الرجل وتلك المرأة عقد بين مرتد ونصرانية – إن كانت لا
تزال على دينها - ، وهي أهون منه ؛ لأنها كتابية ، وهو مرتد عن دينه .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 2182 )
و ( 5208 ) و (
33007 ) و (
10094 ) .
ثانياً:
والمرأة المسئول عنها إن كانت قد أسلمت : فإنه لا يحل لها البقاء مع ذلك التارك
للصلاة ، وقد سبق تفصيل الحكم فيه .
وأما إن كانت لا تزال على كفرها : فإنه ليس ثمة أحكام تتعلق بزواجها منه ، فهما
ليسا مسلميْن ، وليس أحدهما مسلماً حتى يكون حكم من الشرع على عقدهما .
وإننا ننصحها بترك ذلك الرجل ، والتزوج من رجل مسلم على الحقيقة ، فهو بتركه للصلاة
لا يعد مسلماً ، وليس من أخلاق المسلمين ما يفعله من منكرات ومعاصٍ ، ثم إنه ـ فيما
يبدو لنا من السؤال ـ ناقص المروءة والشهامة ؛ إذ يرضى لامرأته أن تخرج للعمل ،
وتتحمل أعباء المعيشة ، وهو جالس في بيته ؛ والله إن فعله لدناءة لو كان يجلس
لقراءة القرآن والصلاة ، وامرأته تخرج للعمل وتعوله ، فكيف نقول فيه وهو يجلس
للمعاصي والمنكرات .
وكلمتنا إلى هذه الزوجة : يا أمة الله ، لا تنظري إلى الدين باعتبار أهله ، أو
باعتبار واحد منهم ، لكن انظري إلى ما فيه من حق وخير ، وصدق وبر ، وأما الناس فإن
كان زوجك بالحال التي وصفت ، ففي أهل الإسلام من يقوم بآدابه وأحكامه وأخلاقه غير
هذا الرجل ، وما زال في الناس ، من المسلمين وغيرهم ، من فيه الصدق والبر والمروءة
، وفيهم من حرم ذلك ، غير أنه ما زالت أخلاق المسلم ، إذا قام بحق دينه ، أعلى وأبر
وأطهر من أخلاق غيرهم ، وتأملي تجدي مصداق ذلك ، واعملي أن أكثر من حولك من
المسلمين إنما هم أهل دنيا وطمع ، خالفوا أحكام دينهم في النهي عن الإقامة في بلاد
الكفار ، حبا في الدنيا وطمعا فيها ؛ فماذا تنتظرين من أخلاقهم ؛ والقليل منهم من
يحافظ على أمر دينه ، أو يقيم هناك لحاجة تبيح له ذلك .
يا أمة الله ، أسرعي ، ولا تتأخري عن ربك ، ولا تجعلي الناس وأخلاقهم حاجزا بينك
وبين النور من ربك ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، والحساب يوم القيامة : فردا فردا ،
ولا تحمل نفس حمل غيرها من النفوس : لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ، فهيا إلى
النور الذي أبصرت شعاعه ، واحذري أن تتأخري طويلا ، فيدهمك الظلام ، ويغيبك عنك
الشعاع .
ومتى كانت هناك كف سوداء تحجب عنك الضياء ، فأبعديها عن عينيك ، مهما كانت ، وسيري
إلى ربك ، على صراطه المستقيم .
والله أعلم