وقفة تأمل مع اللعبة الشهيرة " ترافيان " ولاعبيها
انتشر في الوقت الحاضر بين الشباب لعبة تسمى ترافيان ( Travian ) وطريقة اللعبة يقوم الشخص بالتسجيل ، ثم يقوم بوضع قرية له ، ثم يقوم بالغزو على القرى المجاورة ، بأخذ ما لديهم من قمح ، وخشب ، وغيره ، لكن يوجد بعض الشباب يقوم بدفع المال على اللعبة ، ثم يقوم دفع 50 ريالاً من أجل أن أكمل عنه اللعبة في الغزو ، وعمليات الصلح ، وغيره .
أرجو منكم الإجابة في أقرب فرصة ، وجزاكم الله خيراً ، ويا ليت يتم وضع الفتوى على الموقع من أجل أن يستفيد الناس .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
يخسر كثير من الناس في التفريط في نعمتين عظيمتين ، وهبهما الله تعالى لهم ، وأمرهم
بالحفاظ عليهما ، واستثمارهما قبل أن يفوتا ، وقبل أن يأتي أجل المسلم ، ولا ينفعه
ندمه ، ولا تحسره بعدها ، وهاتان النعمتان هما : الصحة ، والفراغ ، فترى ذلك الكثير
من الناس ينخدع بصحته وعافيته ، ويغتر بقوته ونشاطه ، فيضيعهما فيما لا فائدة فيه .
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : ( اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ :
شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ
فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ) .
رواه الحاكم ( 4 / 341 ) وصححه الألباني في
" صحيح الترغيب والترهيب " ( 3355 ) .
والأكثر خسارة هو من يضيعهما في معصية الله تعالى ، وفعل المنكرات ، وإن لم يتدارك
المسلم الأمر فيغتنم فراغه قبل شغله ، وصحته قبل سقمه ، وحياته قبل موته : ليوشكن
على ندم وحسرة لا ينفعه بعدها بكاء ، ولا يقبل الله منه فداء ، ولو افتدى بملء
الأرض ذهباً .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ
النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه
البخاري ( 6049 ) .
قال الإمام بدر الدين العيني – رحمه الله - : " فكأنه قال : هذان الأمران إذا لم
يستعملا فيما ينبغي : فقد غُبن صاحبُهما فيهما ، أي : باعهما ببخس لا تحمد عاقبته ،
أو ليس له في ذلك رأي ألبتة ، فإن الإنسان إذا لم يعمل الطاعة في زمن صحته : ففي
زمن المرض بالطريق الأولى ، وعلى ذلك حكم الفراغ أيضاً ، فيبقى بلا عمل ، خاسراً ،
مغبوناً .
هذا وقد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش ،
وبالعكس ، فإذا اجتمعا في العبد ، وقصَّر في نيل الفضائل : فذلك هو الغبن له كل
الغبن ، وكيف لا والدنيا هي سوق الأرباح ، وتجارات الآخرة "
انتهى .
" عمدة القاري " ( 23 / 31 ) .
فليحرص المسلم على وقته ، وليعلم أن ما يمضي من أيامه إنما يقترب به من قبره ،
ونهاية حياته ، فالسعيد من اغتنم تلك الأيام ، والشقي من ضيعها .
قال الحسن البصري - رحمه الله - : " يا ابن آدم ، إنما أنت أيام ، كلما ذهب يوم :
ذهب بعضُك " انتهى .
ثانياً:
نأسف أن أوقات المسلمين تضيع باللهث وراء الألعاب التي ينتجها البطالون ، والكفار ،
والتجار ، والذي يحرص جميعهم على استنفاد طاقاتنا ، وأموالنا ، فيما ينفعهم ،
ويضرنا .
وهذه اللعبة الواردة في السؤال وإن كان المسلم لا يبذل من ماله شيئا يشتريها به ،
فهو يستطيع لعبها مجاناً على الإنترنت ، فإنه يبذل فيها ما هو أنفس من ماله ، بل
أنفس من كل نفيس ، ينفق فيها عمره وأيامه ، ويستهلك فيها طاقته وشبابه بما لا ينفعه
، فيضيع عمره على لا شيء .
وهي لعبة حربية ، يرمز اسمها – ترافيان – إلى قرية نموذجية ، يسميها أصحابها "
معجزة العالَم " تحصن نفسها بالمواد الغذائية ، وبالدفاعات المناسبة ضد الأعداء ،
وهذا بحد ذاته ليس فيه كثير شيء ضار ، لكنها قاتلة للوقت ، مضيعة للعمُر ؛ فقد
يستمر اللعب بها أسابيع وشهوراً كثيرة ! ويصبح لاعبها مدمناً ، ينام ويستيقظ عليها
، وهذا ولا شك من أضر ما يكون على المسلم الذي خُلق في هذه الدنيا لغاية شريفة ،
وهدفٍ نبيل سامٍ ، وهو توحيد الله تعالى ، وعبادته ، ويستلزم منه هذا أن يقوم بما
أوجبه الله تعالى عليه من طاعات ، وأن يحجز نفسه عن الوقوع في المحرمات ، ولا شك أن
تضييع العمر فيما لا نفع فيه ، وقتل الوقت بما لا يرى المسلم فائدته عند لقاء ربه :
يخالف المقصود الذي خُلق من أجله ، وهو – كذلك – كفر بالنعَم الجليلة التي وهبها
الله تعالى إياها ، كالصحة ، والفراغ .
هذا ، بالإضافة إلى ما في تلك اللعبة من العنف ، وهو ما يكسب لاعبها من الأخلاق
السيئة الشيء كثير ، ولا يخفى تأثير الألعاب على تصرفات وأخلاق اللاعبين ، وبخاصة
إن علمنا طول الوقت المستغرق في تلك اللعبة ، والتي تمتد إلى أشهر كثيرة ؛ الأمر
الذي يجعل لاعبها يعتاد على هذه الأخلاق التي يمارسها في لعبته ، ويعتاد السطو على
بلاد الآخرين وأموالهم ، بدلا من أن يعتاد الجهاد في سبيل الله ، وأخلاقه وآدابه .
وما فيها من قتل للوقت ، وتضييع له ، وما فيها من عنف : كافٍ في المنع منها ، والحث
على تركها ، والتحذير منها ، ومن اطلع على فتنة الناس بها ، وعلى أثر تلك الألعاب
الحربية على لاعبيها : لم يشك للحظة أن المنع منها هو الصواب .
وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بحرمة الشطرنج ، بناء على ما في لعبه لعبها من
تضييع الأوقات ، في غير ما ينفع .
فقال رحمه الله : " هذه اللعبة لا شك أنها مما يلهي كثيراً ، ويستغرق وقتاً طويلاً
على لاعبيه ، تمضي الساعات وهم لا يشعرون بها ، فيفوتون بذلك مصالح كثيرة ، ومن ثم
قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : إن هذه اللعبة محرمة ، ولعله أخذه من
قاعدةٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن ما ألهى كثيراً وشغل عن الواجب ، فإنه
من اللهو الباطل المحرم .
وأيضاً فإنه يحدث بها من الضغائن بين اللاعبين إذا غبن أحدهم ما هو معلوم ، وربما
يحصل بها نزاع ومخاصمة أثناء اللعب وشتمٌ وسباب ، وربما يحدث بها عوض ليس دراهم ،
ولكن من نوعٍ آخر .
وعلى كل حال فالإنسان العاقل المؤمن المقدر لثمن الوقت لا ينزل بنفسه إلى اللعب بها
والتلهي بها " انتهى .
فتاوى نور على الدرب (13/252ـ ترقيم الشاملة
) ، وانظر فتاوى علماء البلد الحرام (1253) .
والله أعلم