الحمد لله.
أولا :
يثبت التوارث بين الزوجين بمجرد العقد ، فلو مات أحد الزوجين قبل الدخول ثبت الإرث للآخر منهما .
روى الترمذي (1145) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ . فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ فَقَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ ، امْرَأَةٍ مِنَّا ، مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ ، فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ . صححه الألباني في "الإرواء" (1939) .
( لا وَكْسَ ) أَيْ لا نَقْصَ . ( وَلا شَطَطَ ) أَيْ وَلا زِيَادَةَ .
قال ابن قدامة في "المغني" :
" وَلا فَرْقَ فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ; لِعُمُومِ الآيَةِ , وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى لِبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِالْمِيرَاثِ , وَكَانَ زَوْجُهَا مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا , وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا . وَلأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ , فَيُوَرَّثُ بِهِ , كَمَا بَعْدَ الدُّخُولِ" اهـ .
وقال أيضاً :
" أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلا خِلَافَ فِيهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَرْضًا ، وَعَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ هَاهُنَا صَحِيحٌ ثَابِتٌ , فَيُورَثُ بِهِ ; لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّصِّ " اهـ .
ثانياً :
في المسألة المذكورة في السؤال لا يرث الإخوة شيئاً ، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا ميراث للإخوة مع الأب .
انظر : "المغني" (9/6) .
ثالثاً :
إذا وُجد جمع من الإخوة ( وهما اثنان فصاعداً ) فللأم السدس ، سواء كان الإخوة وارثين أو غير وارثين، ذكوراً أو إناثاً .
ودليل ذلك قوله تعالى : ( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ) النساء/11 .
قال الشيخ ابن عثيمين في "تسهيل الفرائض" ص 33:
وترث ( الأم ) السدس إن كان للميت فرع وارث، أو كان له عدد من الإخوة أو الأخوات أو منهما؛ لقوله تعالى: ( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُس ) النساء/11.
ولا فرق بين أن يكون الإخوة ذكوراً أو إناثاً ، أو مختلفين : أشقاء أو لأب أو لأم، ولا بين أن يكونوا وارثين أو محجوبين بالأب ، كما هو ظاهر الآية الكريمة ؛ لأن الله فرض للأم الثلث مع الأب ثم قال : ( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس ) فأتى بالفاء الدالة على ارتباط الجملة الثانية بالأولى وبنائها عليها ، والإخوة لا يرثون مع الأب ، ومع ذلك فجعل للأم السدس في هذه الحال ، وهذا هو قول جمهور العلماء .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم لا يحجبون الأم إلى السدس إذا كانوا محجوبين بالأب . وهو خلاف ظاهر الآية الكريمة اهـ .
وقال في "نيل المآرب" (2/62) :
" وهذا الحكم ثابت في أخ وأخت ، ولا فرق في الحاجب للأم إلى السدس من الإخوة بين كونه وارثاً أو محجوباً بالأب" اهـ .
رابعاً :
وعلى هذا ، تقسم التركة في الصورة المسؤول عنها كالتالي :
للزوجة الربع لعدم وجود فرع وارث لزوجها المتوفى ، قال الله تعالى : ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/12 .
وتأخذ الأم السدس لوجود جمع من الإخوة .
وللأب الباقي من التركة . لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ) . رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) . و (أَوْلَى) أي : أقرب .
فتقسم التركة اثني عشر سهماً متساوياً ، يكون للزوجة ثلاثة أسهم ، وللأم سهمان ، والباقي سبعة للأب .
والله تعالى أعلم .