الجمع بين حديث الجساسة وحديث : (أرأيتكم ليلتكم هذه ...)
سمعت في أشراط الساعة أن المسيح الدجال حي إلى خروجه من حديث تميم الداري ، وأيضا حديث النبي رضي الله عنهما (أن كل من الأرض في عهده سيموتون خلال مائة سنة) ، واستدلوا بذلك أنه لا يوجد صحابي بعد سنة 110 ، سؤالي كيف يتم التوفيق بين الحديثين ؟ ولماذا لم يمت المسيح الدجال ؟ أعاذنا الله وإياكم من فتنته جميعا.
الجواب
الحمد لله.
حديث تميم الداري رواه مسلم في صحيحه ، وقد سبق إيراده بنصه في جواب السؤال رقم (82643)
وهو يدل على أن الدجال حي موجود الآن ، وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه
سيظل محبوسا حتى يؤذن له في الخروج ، ولا يعارض هذا ما جاء في الصحيحين عن عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ
، فَقَالَ : (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ
مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ) رواه
البخاري (116) ومسلم (2537) .
فهذا الحديث عام ، وحديث تميم خاص ، فيكون مستثنى من العموم ، أو أن الدجال كان
يومئذ في البحر ، لا على الأرض ، فلا يشمله حديث ابن عمر .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/397) في الجواب
على من قال بحياة الخضر محتجا بأن العموم ليس نصا في الاستغراق ، يعني العموم في
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ
أَحَدٌ ) قال : " لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص ، وهو حديث ثابت في الصحيح من
حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها ، سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه حدثه
به تميم الداري ، وأنه أعجبه حديث تميم المذكور ، لأنه وافق ما كان يحدث به أصحابه
من خبر الدجال " ثم ذكر حديث تميم ، ثم قال :
" فهذا نص صريح في أن الدجال حي موجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث
تميم الداري المذكور ، وأنه باق وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان ، وهذا نص صالح
للتخصيص يخرج الدجال من عموم حديث موت كل نفس في تلك المائة . والقاعدة المقررة في
الأصول : أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه ، فما أخرجه نص مخصِّص خرج من العموم وبقي
العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدلّ على إخراجها دليل ، كما قدمناه مراراً وهو
الحق ومذهب الجمهور ، وهو غالب ما في الكتاب والسنة من العمومات يخرج منها بعض
الأفراد بنص مخصِّص ، ويبقي العام حجة في الباقي" انتهى .
والله أعلم.