لبس الشراب الواحد أثناء اللعب هل ينهى عنه كما ينهى عن النعل الواحدة ؟
في إحدى المدارس انتشر بين الطلاب بشكل واضح بل يعد ( ظاهرة ) لبس شراب برجل واحدة أثناء لعب كرة القدم حيث إن غالبيتهم يلبسون الشراب بالرجل التي يستعملونها لضرب الكرة ، فأنكر عليهم أحد المعلمين ممن تخصصهم شرعي وقال : إما أن تلبس على جميع الأرجل أو تخلع جميع الأرجل ، ويقول إنه قد ورد النهي عن الانتعال بهذه الطريقة والشراب مثل النعلين ، فما هو رأيكم بارك الله فيكم ؟
الجواب
الحمد لله.
ورد النهي عن المشي في نعل واحدة في عدة أحاديث ، منها ما رواه البخاري (5855)
ومسلم (2097) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ
، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا ، أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا ) .
وروى مسلم (2099) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ فَلَا يَمْشِ فِي
نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ ، وَلَا يَمْشِ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ ) .
والشسع : السير الذي يوضع فيه أصبع الرِّجل من النعل .
وقد اختلف العلماء في علة ذلك ، فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح : " قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : الْحِكْمَة فِي النَّهْي : أَنَّ النَّعْل شُرِعَتْ لِوِقَايَةِ
الرِّجْل عَمَّا يَكُون فِي الْأَرْض مِنْ شَوْك أَوْ نَحْوه , فَإِذَا
اِنْفَرَدَتْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ اِحْتَاجَ الْمَاشِي أَنْ يَتَوَقَّى لِإِحْدَى
رِجْلَيْهِ مَا لَا يَتَوَقَّى لِلْأُخْرَى ، فَيَخْرُج بِذَلِكَ عَنْ سَجِيَّة
مَشْيه , وَلَا يَأْمَن مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْعِثَار .
وَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَمْ يَعْدِل بَيْن جَوَارِحه , وَرُبَّمَا نُسِبَ فَاعِل
ذَلِكَ إِلَى اِخْتِلَال الرَّأْي أَوْ ضَعْفه .
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قِيلَ : الْعِلَّة فِيهَا أَنَّهَا مِشْيَة
الشَّيْطَان , وَقِيلَ : لِأَنَّهَا خَارِجَة عَنْ الِاعْتِدَال . وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : الْكَرَاهَة فِيهِ لِلشُّهْرَةِ فَتَمْتَدّ الْأَبْصَار لِمَنْ
تَرَى ذَلِكَ مِنْهُ ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْي عَنْ الشُّهْرَة فِي اللِّبَاس ،
فَكُلّ شَيْء صَيَّرَ صَاحِبه شُهْرَة فَحَقّه أَنْ يَجْتَنِب "
انتهى .
وإذا كانت العلة هي العدل بين الجوارح ، أو كراهة الشهرة ، فإن هذا ينطبق على غير
النعلين ، فيشمل الجوربين ، والقفازين وكل لباس شفع .
قال الحافظ رحمه الله : " قَدْ يَدْخُل فِي هَذَا كُلّ لِبَاس شَفْع كَالْخُفَّيْنِ
وَإِخْرَاج الْيَد الْوَاحِدَة مِنْ الْكُمّ دُون الْأُخْرَى والتَّرَدِّي [أي لبس
الرداء] عَلَى أَحَد الْمَنْكِبَيْنِ دُون الْآخَر . قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ .
قُلْت : وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ حَدِيث الْبَاب مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن
عَجْلَان عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بلفظ : ( لَا يَمْشِ
أَحَدكُمْ فِي نَعْل وَاحِدَة وَلَا خُفّ وَاحِد ) وَهُوَ عِنْد مُسْلِم أَيْضًا
مِنْ حَدِيث جَابِر , وَعِنْد أَحْمَد مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد , وَعِنْد
الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس , وَإِلْحَاق إِخْرَاج الْيَد
الْوَاحِدَة مِنْ الْكُمّ وَتَرْك الْأُخْرَى بِلُبْسِ النَّعْل الْوَاحِدَة
وَالْخُفّ الْوَاحِد بَعِيد , إِلَّا إِنْ أُخِذَ مِنْ الْأَمْر بِالْعَدْلِ بَيْن
الْجَوَارِح وَتَرْك الشُّهْرَة , وَكَذَا وَضْع طَرَف الرِّدَاء عَلَى أَحَد
الْمَنْكِبَيْنِ , وَاَللَّه أَعْلَم "
انتهى .
وعليه ؛ فإنْ لعب الإنسان بالشراب دون لبس النعلين ، لزمه أن يلبس الشرابين معا أو
أن يخلعهما معا ، لأنهما في حكم الخف المذكور في الحديث .
وقد أحسن المعلم في تنبيه الطلاب على ذلك ، فجزاه الله خيرا .
وقولك : إن لبس الشراب الواحد أصبح ظاهرة بين الطلاب ، يخشى أن يكون الباعث عليه هو
التشبه بأحد الكافرين أو الفاسقين ، فينبغي معالجة ذلك ، وبيان ما في التشبه بهؤلاء
من نقص العقل والدين ، وحثهم على الاقتداء بأهل الخير والصلاح من المسلمين .
وقد قال صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )
رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في "
إرواء الغليل " (5/109) .
والله أعلم .