الحمد لله.
الموظف المسئول في الشركة ، إن كان ما سيقوم به من تسهيلات ومتابعة وغيرها داخلا في عمله في الشركة ، فلا يجوز له أن يأخذ من صاحبك شيئا ؛ لأن ما يأخذه حينئذ يدخل في الرشوة وهدايا العمال المحرمة ، ولا يجوز لصاحبك أن يعطيه شيئا ، وليس هذا من الحق الذي يجوز دفع الرشوة لتحصيله ، بل هذه معاملة محرمة جاء فيها لعن الطرفين ، كما روى أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ) ، والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
ولو قيل بجواز الرشوة هنا بزعم أن هذا من التوصل للحق ، لجازت أكثر صور الرشوة ، وعم الفساد والشر .
وإن كان هذا المسئول يعمل في قسم آخر لا علاقة له بهذه المشاريع ، فلا حرج أن يدل الشركة على صاحبك ، أو يدل صاحبك على الشركة ، وييسر لهما التعاقد معا ، مقابل مال يأخذه من الطرفين أو من أحدهما ، بشرط ألا يكون له دور في تقديم صاحبك على من هو أفضل منه ، أو إخباره بأمور العطاءات التي يمنع الإخبار بها كعروض أصحاب المشاريع الأخرى .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" مما حرمه الإسلام , وغلظ في تحريمه : الرشوة , وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسئول عنها قضاؤها بدونه ، ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد .
وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته : ( أن الرشوة هي : ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد ) ، وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها , أو يقضيها له ، والمراد بالحاكم : القاضي , وبغيره : كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي , سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم , والمراد بالحكم للراشي , وحمل المرتشي على ما يريده الراشي : تحقيق رغبة الراشي ومقصده , سواء كان ذلك حقا أو باطلا .
والرشوة - أيها الإخوة في الله - من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده , ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم من فعلها , فالواجب اجتنابها والحذر منها , وتحذير الناس من تعاطيها , لما فيها من الفساد العظيم , والإثم الكبير , والعواقب الوخيمة , وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة /2 .
وقد نهى الله عز وجل عن أكل أموال الناس بالباطل , فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء /29 ، وقال سبحانه : ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة /188 ، والرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل " انتهى .
"مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (23/223-224) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن : أنا صاحب شركة بناء ، ولي صديق مدير في مؤسسة طباعة الكتب والكراريس المدرسية ، وبحكم علاقته مع مسئولين في وزارة التعليم والمعارف ، يستطيع الحصول على مشاريع في البناء لصالح الوزارة ، وبحكم علاقتي به : فإنه يعرض عليّ العملَ في شكل عقد مضاربة أو قراض ، فمنه المشروع وعلي العمل ، إلا أن الإشكال في المسألة أن صاحبي لا يتحصل على المشروع إلا إذا دفع شيئا من المال حتى يكون المشروع من نصيبه ، علما أنه لا ينافسه في أخذ المشروع أحد ، ومن جهتي أنا كصاحب شركة إذا لم أتعامل معه أو مع غيره بهذه الطريقة فإن أعمالي وأشغالي ستتعطل . أفتوني في هذه المسألة جزاكم الله كل خير ؟
فأجابت : " ما يعمله هذا الشخص الذي ذكرته هو من قبيل الرشوة المحرمة ، والملعون من فعلها أو أعان عليها ، فعليك بمناصحته ليترك هذا العمل ، ولا يجوز لك قبول المقاولة على ما يحصل عليه من أعمال في مقابل هذه الرشوة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، وأكل المال بالباطل " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/568) .
ثانيا :
الوسيط بين صاحبك وهذا المسئول ، يحكم على عمله بناء على ما تقدم ، فإن كان عمل المسئول محرما ، كان عمل الوسيط محرما كذلك ، وهو الرائش الذي ورد في بعض روايات الحديث .
وإن كان عمل المسئول جائزا ، جاز عمل الوسيط ؛ لأنه من الدلالة المباحة .
ونصيحتنا للجميع أن يتقوا الله عز وجل فيما أمر ، والابتعاد عما نهى عنه وزجر ، وليعلم الأخ السائل ، والأخ الوسيط ، وكل من له علاقة بذلك : أن الله عز وجل أكرم من أن يضيع من يتقيه ويخشاه ، ويحرص على طلب الحلال ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق /2-3 .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القُدُس [ يعني : جبريل ، عليه السلام ] نفث في رُوعي : أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحمِلَّن أحدَكُم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته " رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع .
والله أعلم .