هل الصدقة أمام الغرباء من صدقة السر؟
هل الصدقة أمام ناس لا أعرفهم ولا يعرفونني تعتبر مثل " صدقة السر " ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا:
الصدقة أمام الناس – ولو كان المتصدق غريبا بينهم ، لا يعرفهم ولا يعرفونه – تعتبر
صدقة بادية معلنة ، فالإعلان والإبداء لا يشترط فيه أن يكون بين المعارف والأصحاب ،
فكل ما أظهره الإنسان فهو معلن .
قال الله تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا
وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
البقرة/271
.
قال ابن كثير رحمه الله :
" ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) أي : إن أظهرتموها فنعم شيء هي ،
وقوله : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ) فيه
دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها ؛ لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب
على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به ، فيكون أفضل من هذه الحيثية "
انتهى
.
"تفسير القرآن العظيم" (1/701)
.
والسنة النبوية في هذا الشأن تشعر باستحباب الإخفاء الشديد ، فلا يعلم أحد عن تلك
الصدقة ، لا قريب ولا بعيد ، ولا صديق ولا غريب .
تجد ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم : ( وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى
لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ )
رواه البخاري (660) ومسلم (1031) .
فتأمل هذا الوصف البالغ للإسرار بالصدقة إلى حد إخفائها عن المتصدق نفسه .
وإذا كانت العلة في تفضيل صدقة السر على صدقة الجهر هي البعد عن الرياء ، فإن هذه
العلة متحققة في الصدقة أمام الغرباء من الناس ، إذ قد يبعث الشيطان في نفس المتصدق
طلب نظر الناس إليه أثناء تصدقه ، ولو كان لا يعرف هؤلاء الناس الذين حوله ، فالنفس
تحب نظر الناس إليها نظر الإعجاب والثناء .
وفي إخفاء الصدقة عن الناس مطلقا – القريب والغريب – مصلحة للفقير ، حيث لا يتعرض
إلى ذل المسألة أمام الناس ، فيكون ذلك أحفظ لماء وجهه ، وأصون له عن الذل
والامتهان ، فإخفاء المتصدق صدقته عن جميع الناس ، وجعلها بينه وبين الفقير فقط
أولى وأفضل .
قال القرطبي رحمه الله : " أما المُعْطََى إياها فإن السر له أسلم من احتقار الناس
له أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف .
وأما حال الناس : فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم ، من جهة أنهم ربما طعنوا على
المعطي لها بالرياء ، وعلى الآخذ لها بالاستغناء "
انتهى .
ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله - في فوائد الآية السابقة في سورة البقرة
- :
" فيها : تفضيل لصدقة السرّ ؛ لأنّ فيها إبْقاء على ماءِ وجه الفقير ، حيث لم يطّلع
عليه غير المعطي " انتهى
.
"التحرير والتنوير" (2/466)
.
ثم إن في الإسرار بالصدقة مطلقا تربية للنفس على الإخلاص لله تعالى ، واعتياد طلب
مرضات الله دائما دون مرضات الناس .
والله أعلم .