معنى قوله تعالى : (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)
قال الله تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) ، ولم يقل على وجوههن ، فدل ذلك على أن وجه المرأة ليس عورة .
الجواب
الحمد لله.
لا يصح الاستدلال بقوله تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ
) على عدم وجوب ستر المرأة وجهها ، بل العكس هو الصحيح ، فهذه الآية تدل على وجوب
ذلك ، ويبين هذا :
فعل الصحابيات الجليلات من المهاجرات بعد نزول هذه الآية ، فقد شققن أزرهنَّ وغطين
بها رؤوسهن ووجوههن ، كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها .
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ
الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا )
رواه البخاري ( 4480 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"قوله : (مروطهن) : جمع مرط ، وهو الإزار ، وفي الرواية الثانية : (أزرهن) ، قوله :
(فاختمرن) أي : غطين وجوههن ، وصفة ذلك : أن تضع الخمار على رأسها ، وترميه من
الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع"
انتهى .
" فتح الباري " ( 8 / 490 ) .
وقال الشنقيطي رحمه الله :
"وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله
تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : يقتضي ستر وجوههن ،
وأنهن شققن أزرهن فاختمرن ، أي : سترن وجوههن بها ؛ امتثالاً لأمر اللَّه في قوله
تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) ، المقتضي : ستر
وجوههن .
وبهذا يتحقّق المنصف : أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم : ثابت في
السنَّة الصحيحة ، المفسّرة لكتاب اللَّه تعالى ، وقد أثنت عائشة رضي اللَّه عنها
على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر اللَّه في كتابه ، ومعلوم أنهن ما فهِمْن
ستر الوجوه من قوله : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) ، إلا
من النبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه موجود ، وهنَّ يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في
دينهن ، واللَّه جلَّ وعلا يقول : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ، فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن ... .
فالعجب كل العجب ، ممن يدّعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنَّة
ما يدلّ على ستر المرأة وجهها عن الأجانب ، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر
اللَّه في كتابه إيمانًا بتنزيله ، ومعنى هذا ثابت في الصحيح ، كما تقدم عن البخاري
، وهذا من أعظم الأدلّة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين ، كما ترى"
انتهى .
" أضواء البيان " ( 6 / 250 ، 251 ) .
والله أعلم .