مترددة في لبس غطاء الوجه وتحتاج من يشجعها على فعل ذلك
أنا أرسل إليك بخصوص الحجاب ، ومصارعتي مع الشيطان من أجل أن أرتديه ،
أنا منذ سنتين أريد أن أرتدي الحجاب ، ولكنني لم أستطع اتخاذ هذه الخطوة ، وأنا والحمد لله من عائلة ملتزمة ، ولكن المشكلة أن لبس الخمار عندنا ليس منتشراً كما عندكم ، وليس الجميع يتقبل هذا الشيء ، فلا بد من معين لذلك بعد الله .
والمشكلة الثانية - وربما أنها ليست مشكلة في نظرك ، ولكن أريد أن أتخلص من هذه الوساوس - والمشكلة أني قصيرة القامة ، وأنا - والله شهيد على ما أقول - أريد أن أعمل ما يرضي الله ، وأرتاح من هذا الصراع المؤلم الذي لا يشعر أحد به إلا الله ، فأريد أن تكون معيني بعد الله ، وترشدني على طريق الهداية
، وهل لي أن أنال رضا الله من دون ارتداء الحجاب ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
مما يميز المسلم المستقيم على طاعة الله أنه لا يتردد في تنفيذ أوامر ربه تعالى ،
ولا يتلكأ ، بل يبادر إليه ، ويُري ربَّه أنه قد حقَّق الإيمان الذي أمره به ، وأنه
يتشرف بكونه من المستسلمين لأمره عز وجلَّ ودينه ، ولو خالف ذلك عاداتٍ اعتادها ،
أو هوى في نفسه يحثه على مخالفة أمر ربه ، وقد ضرب الصحابة في ذلك أروع الأمثلة ،
ومن ذلك :
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ
حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي ، فَقَالَ
: اخْرُجْ فَانْظُرْ ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ
قَدْ حُرِّمَتْ ، قَالَ : فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لِي أَبُو
طَلْحَةَ : اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا ، فَهَرَقْتُهَا . رواه البخاري ( 2332 ) ومسلم (
1980 ) .
ولم تكن المسارعة في الاستجابة لأمر الله تعالى خاصة بالرجال من الصحابة وحدهم ، بل
قد شاركهم النساء في ذلك ، ومن أمثلته مما له تعلق بالسؤال :
2. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ
الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَلْيَضْرِبْنَ
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا
. رواه البخاري (4480).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
قوله " مروطهن " : جمع مرط ، وهو الإزار .
" فاختمرن " أي : غطين وجوههن .
" فتح الباري " ( 8 / 490 ) .
واعلمي أيتها الأخت السائلة أن الاستجابة لأوامر الله تعالى لا اختيار للمسلم فيها
، فعليه أن يمتثل أمر الله تعالى ، مهما كان الأمر مخالفاً لهواه ، قال الله تعالى
: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب/ 36 .
ثانياً:
اعلمي أن للشيطان طرقاً كثيرة في صد العبد عن دين الله تعالى ،
وعن الالتزام بأحكامه ، وشرائعه ، فعليك التفطن لهذه الطرق ، وقطعها عليه ، فقولك :
إن الخمار ليس منتشراً عندكم ، وليس الجميع يتقبله : ليس عذراً مقبولاً ، ويمكنك
قطع تلك الطرق على الشيطان بأن تبادري لأن تكوني سبباً لانتشار غطاء الوجه ،
ولتحوزي شرف المبادرة ، ولتحصلي أجور من يأتي بعدك ويفعل فعلك ، فبدلاً من أن يكون
ما ذكرتِ عائقاً أمامك عن تنفيذ أمر الله تعالى ، فليكن سبباً لتنفيذه ، والمبادرة
بفعله .
واعلمي أنه قد يوجد في بيئتك ممن حولك من أخواتك من ينتظر مثل هذا الأمر من مثلك ،
لتبادر هي الأخرى بفعل الأمر نفسه ، وقد يكون هناك ثالثة ، ورابعة ، وأكثر ، فلتكن
منك البداية ، وبفعلك يكون التشجيع لغيرك على إظهار ذلك الستر المأمور به .
ثم أيتها الأخت السائلة : لماذا تجهر النساء حولك بلبس القصير والضيق والشفاف
وغيرها من الألبسة المحرمة ، ولا تجد حرجاً من ذلك ، مع كونه محرَّماً ؟ ولماذا
تجرؤ النساء العاصيات على المجاهرة بمعاصيهن .
فإذا كان هؤلاء لا يستحين وهم يعصين الله ، فكيف نستحي نحن أو نضعف ونحن نطيع الله
، وننشر الفضيلة والعفاف والطهر في المجتمع .
فبادري بتنفيذ أمر الله ، واحرصي على الخير لنفسك ، واعلمي أنه لن ينفعك أحد ممن
تحرصين على رضاهم الآن عندما تلقين ربك بأعمالك ، ولا تتذرعي بحجج ضعيفة لترك ما
يأمرك الله تعالى به ، فليس قصر قامتك بعذر لك أيضاً لتتركي غطاء الوجه ، فكشفك
لوجهك لن يزيد من طول قامتك ، وإياك أن تجعلي ثغرة في نفسك ليلج منها الشيطان
فيقنعك بمثل هذه الأعذار الواهية ، وها هنَّ النساء المستقيمات على أمر الله تعالى
في العالَم كله يلتزمن النقاب ، والخمار ، ولا يلتفتن لمثل هذه الأعذار .
واستعيني بالله تعالى ربك على تثبيتك على الحق ، وإعانته لك على فعل الطاعات ، وترك
المنكرات ، فهو نعم المولى ، ونعم النصير .
والله أعلم.