الحمد لله.
أولاً : تعلق بعض المخالفين للشرع بفعل بعض أئمة المساجد ، أو مدرسي التربية الإسلامية : لا ينفعهم عند ربهم ؛ لأن المطلوب من المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز له أن يقوم هدي أحد على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب/21 ، وقال الله تعالى : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) القصص/65 . .
فإذا اتضحت سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمسلم أن يتركها من أجل فعل فلان من الناس أو قوله. قال الإمام الشافعي رحمه الله : أجمع الناس على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس .
ثانياً :
ينبغي لمن صار قدوة للناس أن يكون أكثر اعتناء باتباع السنة ، وعدم مخالفتها ، لأن الناس يقتدون به ، وينظرون إلى فعله على أنه هو الشرع .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" ولهذا يجب على أهل العلم ما لا يجب على غيرهم ، في العبادات ، في الأخلاق ، في المعاملات ؛ لأن الناس يقتدون بهم ، يقتدون بهم تماماً ، حتى إن بعض الناس يجلس إلى العالم وهو يصلي - مثلاً - ويحصي عليه حركاته ، وسكناته ، ولما كبر ابن عمر رضي الله عنهما صار لا يجلس للصلاة مفترشاً ، فقال له أحد أبنائه : ( يا أبت كيف هذا الجلوس ؟ فقال : إن رجليِّ لا تقلاني ) ، فانظر إلى نظرة الناس إلى العالم ، يحصون عليه حتى فعله ، حتى تركه ، لذلك يجب على طلبة العلم أن يكونوا مثالاً طيباً حسناً في كل شيء ، حتى يكونوا قدوةً صالحة ، وحتى يحترمهم الناس " انتهى .
" اللقاء الشهري " ( مقدمة اللقاء رقم 49 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" والعالِم يُعرف بصبره ، وتقواه لله , وخشيته له سبحانه وتعالى , ومسارعته إلى ما أوجب الله ورسوله , وابتعاده عما حرم الله ورسوله .
هكذا يكون العالم ، سواءً كان مدرساً ، أو قاضياً ، أو داعياً إلى الله , أو في أي عمل , فواجبه أن يكون قدوة في الخير , وأن يكون أسوة في الصالحات , يعمل بعلمه ، ويتق الله أين ما كان , ويرشد الناس إلى الخير , حتى يكون قدوة صالحة لطلابه , ولأهل بيته ولجيرانه ولغيرهم ممن عرفه , يتأسون به : بأقواله ، وأعماله الموافقة لشرع الله عز وجل .
وعلى طالب العلم أن يحذر غاية الحذر من التساهل فيما أوجب الله , أو الوقوع فيما حرم الله ؛ فإنه يُتأسى به في ذلك , فإذا تساهل : تساهل غيره , وهكذا في السنَّة ، والمكروهات , ينبغي له أن يحرص على تحري السنن , وإن كانت غير واجبة ؛ ليعتادها ، وليَتأسى الناس به فيها , وأن يبتعد عن المكروهات ، والمشتبهات ؛ حتى لا يتأسى به الناس فيها .
فطالب العلم له شأن عظيم , وأهل العلم هم الخلاصة في هذا الوجود , فعليهم من الواجبات والرعاية ما ليس على غيرهم , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 312 ، 313 ) .
2. وقال رحمه الله أيضاً - :
" ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه ، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضاً , ولهذا قال بعده : ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) ، فالداعي إلى الله عز وجل يكون داعية باللسان , وداعية بالعمل , ولا أحسن قولاً من هذا الصنف من الناس , هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة ، وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال ، فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم ، وأعمالهم ، وسيرتهم .
وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام , دعاة إلى الله بالأقوال ، والأعمال ، والسيرة , وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر مما ينتفعون بالأقوال ، ولا سيما العامة ، وأرباب العلوم القاصرة ؛ فإنهم ينتفعون من السيرة ، والأخلاق الفاضلة ، والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها , فالداعي إلى الله عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرة حسنة ، وذا عمل صالح ، وذا خلُق فاضل حتى يقتدى بأفعاله ، وأقواله وسيرته .
... .
فهذه الآية العظيمة فيها الحث ، والتحريض على الدعوة إلى الله عز وجل ، وبيان منزلة الدعاة ، وأنهم أحسن الناس قولاً إذا صدقوا في قولهم ، وعملوا الصالحات ، وهم أحسن الناس قولاً ، ولا أحد أحسن منهم قولاً أبداً ، وعلى رأسهم : الرسل عليهم الصلاة والسلام , ثم أتباعهم على بصيرة إلى يوم القيامة " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 110 ، 111 ) .
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يهدي الدعاة وطلبة العلم لما فيه صلاحهم وصلاح الناس .
والله أعلم